مدارات - خاص:
جمع برنامج شاعر المعنى 4 على قناة «الساحة» الفضائية، وفي مساء لم يكن طبيعيا، بل كان استثنائيا، في ليلة غير عادية، بين الفرح والحزن، الحياة والموت، وكشف للعالم الفارق الكبير بين البارود والبلسم، الشوك والورد، الإرهاب والأمان، وبين الإخلاص والخيانة والغدر.
في ذلك المساء اختلط الأمل، بدموع التضحية والفداء من أجل الوطن، وفي ذلك المساء حضرت أيضاً الشهامة والرجولة المبكرة في عقول أطفال الشهداء، ضحايا الإرهاب الأسود، فكانت ليلة بألف ليلة، شعرا ورثاء وفناً تشكيلياً، وريشة ترسم ملحمة إِنسانية، ولوحة رائعة للوفاء والانتماء الساكن في دم ابن الشهيد، ضابطا كان أو رقيبا أو جنديا سالت دماؤه ليحمي وطنا أعطى الكثير، فالكل كان يعزف لحنا واحدا اسمه حب الوطن وهو شعار أبناء المملكة العربية السعودية «الله ثم المليك والوطن».
في لحظة مؤثرة، جسد الطفل سلطان ابن الشهيد محمد العنزي، كل معاني اليتم، واختصر للعالم والمشاهدين أخطر نتائج الإرهاب الكالح والمدمر للأسر والأوطان.
نطق الصَّغير ببراءة الأطفال: «أتمنى الموت كي أرى والدي»، قالها بعفوية، ولا يدري ابن الشهيد البطل أنه أبكى الملايين، وهو يجيب في حوار حزائني على سؤال المذيع: ماذا تتمنى الآن يا سلطان؟ ومضى الصَّغير (الكبير بعقله ومشاعره) عقب مشاهدته تقريرا عن والده، أريد أن أكون رجل إطفاء، وكأنه يريد أن يطفئ هموم وطن، شاء القدر أن يكون بين أبنائه حفنة ضالة لا تدرك معنى اليتم ولا قيمة كلمة وطن.
سقطت دموع سلطان، وهو يشاهد والده شهيد الواجب محمد العنزي، فحفرت في قلوب الحاضرين والمشاهدين قنوات من القهر من هؤلاء الذين يغتالون حلم الطفولة برصاصة أو قنبلة أو زجاجة مولوتوف.
بكى سلطان فذكرنا أيضاً بأبطال كثيرين مثل والده يقدمون أرواحهم فداء للوطن، وأثبت لنا أنه ما دام هناك وطن، هكذا أطفاله (رجال أقوياء) تسكن دماءهم روح التضحية والفداء، يشتاقون لآبائهم، ويتمنون الموت للقائهم في جنة الخلد والأمان، فإننا ما زلنا بخير، وأن دعائم وطننا صلبة قوية، لا تهزها ريح، ولا تحركها كل أسلحة الإرهاب.
وكم كانت الكلمات جميلة، واللوحة رائعة، والدموع معبرة، حينما غنى شعراء الحلقة للشهداء وللطفل، وأنشد المنشدون لحن وفاء، ورسم التشكيليون لوحة عطاء لطفل سيكبر في كنف الوطن الذي دافع عنه والده حتى آخر نفس وآخر قطرة دم.
وفي مشهد مهيب وقف الجمهور وقفة وفاء وإجلال للوطن ولأرواح الشهداء على صوت السلام الوطني رافعين لافتات «كلنا للوطن».
انتهت حلقة برنامج «شاعر المعنى»، لكن لم تنته بعد آثار تلك المشاعر الفياضة، التي لفت الحضور وكست أجواء المكان، وأجبرت برد الشتاء على الرحيل، تاركا موقعه لهذا الدفء الجميل، الذي احتضن أبناء الشهداء وأسرهم، ليسطر الجميع أقوى شهادة ضمان لجيل قادم، مستعد هو الآخر مثل آبائه وأجداده، لأن يضحي بروحه ودمه، لكي يعيش الآخرون، فهو هكذا تعلم في دروب الإخلاص والوفاء ألا يخشى الموت طالما يبقى الوطن.