هذه الأرض الشاسعة تأتي إليها، وتذهب عنها، وأنت لم تطأ كلَّ ما فوقها من التراب..،
ولم تلتقِ كلَّ من لها من الأصحاب..،
حين تتفكر مليـَّاً قبل أن تغادرها، تتأوّه طويلاً..!!
ذلك أنّ ما نلته، وبلغته، وعلمته، وعرفته، والتقيته، وعملته، وقلته، وعشته، إنما هو أقل القليل، وأدنى الكثير، وشذرة في معطيات هذه الحياة، ومن فيها، وما فيها..!!
فكيف لمن هو في مقتبل الطريق خالي الوفاض، هشّ الأجنحة....؟!
تعلِّمك الحياة ما لا تدركه إلاّ حين تضع عصاتك وأنت تدبر عن لهث السير..، وجذوة الركض..!
يتحقق ذلك حين يكون حسابك من الركض اليومي في ردهات محطات العمل، والكسب، والعطاء، قد تسلّم مقوده غيرك، فأنت حينها تكون قد بلغت مشارف الحكمة، وخلاصة التجارب..،
وبدأ ميزان الحياة عندك يؤتي ثماره..، ويرجح بكفتيه..!!
بلى ثماره، ..
لأنك حينها تكون ذا مكنون ثري بكل ما تحمله بين جناحيك من حجم الزمن..، وثقل الخبرة، وكثافة الرؤية..، ومدى البصيرة..، وفوز الصبر..،
وإن كلَّ بصرك تبقى للدهشة عندك مما تشاهد ومضاتُ السلام فيك..!
لذا تكون حبيساً، ولكن لأفكارك، ولتقليب ما تملكه من ثروة بين جانبيك.. تتمتع بألوانها، وأنواعها، وخضرتها، ونداها..، وتغرف من نبعها..، وتلتذ بعذبها..!!
هذه الثروة قد يدرك قيمتها الذين في بدايات المسار..، وقد لا يدركها..
فإن أدركوها فلسوف تفضي بما فيها من النجوم..، واللؤلؤ..، والدلاء..، والمغراف..!!
وإن لم يفعلوا، فتلك خسارات ليست تبوء إليك أنت..،
وإنما تسقطهم نتائجها هم في مغبات التفريط..
كثيرٌ من الناس لا يقيِّمون هذه الثروة..، ولا يثمِّنون أبعاد قيمتها..!
لكن الذين يدركون حجمها، وقيمتها تجدهم في المجتمعات التي تبدأ الرحلة عند أفرادها عندما يحين على حكمائهم الوقت ليكونوا المصابيح في دروب المقبلين على محطات الحياة بعد أن أدبر أولئك عنها..!!
وحين تكون واحداً من الحكماء ..، فإنّ من الحكمة أن لا تأسَ على المفرطين..،
ذلك لأنهم لو لم يكونوا..، لما كانت الحياة على ما هي عليه مثقلةً بجهل أبنائها..!!