لن أستغرب، بل وأتوقع، أن تنطلق مجموعات صغيرة هنا وهناك، بعد هدوء العاصفة، وبرود الحدث، أغلبهم من صغار السن، وملثمون، ومعهم نساء، يطالبون بالإفراج عن المعتقلين الداعشيين، الذين اعتقلتهم الحكومة، ممن ارتكبوا جريمة الأحساء الإرهابية الشنيعة، رافعين شعار (فكوا العاني)، مثلما كانوا يفعلون مع المعتقلين والمعتقلات من القاعدة قبل سنتين أو ثلاث. في بلادنا - والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه - يفهم هؤلاء الدهماء الجهلة أن المطالبة بالحقوق، تعني أن (تتسامح) الحكومة مع المجرمين والقتلة، ومحرضيهم، ومموليهم، إما لأنهم (مشايخ وطلبة علم)، أو لأنهم ملتحون، ويبررون إثارتهم للفتن والقتل والتفجير بقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم واجتهادات بعض علماء السلف.
من يطالب بالإفراج عن هؤلاء، هو كمن يطالب في الغرب بالإفراج عن عصابات المافيا وتجار المخدرات والاعتراض على الأحكام القضائية المغلظة الصادرة عليهم، لا فرق بين هؤلاء وأولئك. ومازلت أتذكر بكثير من الحزن والأسى ذلك الشيخ الذي يُعد - كما يقولون - من الكبراء، حينما شد رحاله إلى إحدى مناطق المملكة، ليزور أحد كبار المحرضين، بعد الإفراج المؤقت عنه، ويمتدحه ويثني على علمه، ويبجله، بل ويقال إنه (قبّل رأسه)، ويتناقل الناس أخبار هذه الزيارة، مدعمة بالصور، في منتديات الإنترنت.
داعش والداعشيون، وقبلهم القاعدة القاعديون، لو لم يجدوا ثقافة ورموزاً ثقافية مرموقة اجتماعياً، لانتهت وتضاءلت وأصبح الانتماء إلى خلاياهم والدفاع عن ممارساتها، داخل البلاد وخارجها، ضرباً من ضروب المنكر الشرعي والعيب الاجتماعي، غير أن الحقيقة التي يجب أن نواجهها بشجاعة، والحقيقة في بعض الأحايين مرة، أن ثمة من يتبنى النهج الداعشي أو القاعدي، سراً أو علانية، ومازال يحرض على ما يسميه (الجهاد) في سوريا والعراق، على رؤوس المنابر، أما لماذا يحرضون على القتال مع الإرهابيين هناك، فيتخفون وراء ما يدعون أنه الجهاد، أو كما سمي في بداياته، (الفريضة الغائبة) أو المغيبة. وبلغ من خستهم ووقاحتهم أن الشيخ العالم الفاضل الدكتور صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، بعد أن وصف القتال في سوريا بالفتنة، اعترضوا عليه علانية وأكدوا أنه جهاد دفع مشروع، الذي لا يلزم فيه استئذان الإمام، كما أفتى بذلك بعض علماء السلف؛ رغم معرفتهم الأكيدة أن ما يجري في تلك الأصقاع حرب طائفية لا علاقة لها بالجهاد ولا بشروطه لا من قريب ولا من بعيد، لكنها الانتهازية القذرة.
ومع ذلك لم نسمع عن أي إجراء تم اتخاذه في حق هؤلاء المحرضين على الجهاد في سوريا، مع أن أسماءهم وبيانات بعضهم ومقولاتهم وتحريضاتهم ثابتة ومسجلة وموثقة ولا يعتريها أي شكوك في مواقع التواصل الاجتماعي.. أن نتغاضى عن هؤلاء المحرضين والمسوغين، ونكتفي بعقاب المشاركين في الإرهاب، ومن يجندونهم عملياً، لأي سبب أو مبرر كان، فنحن نتعامل بذات المنطق المهترئ الذي كان منتشراً بين العرب، ومازال البعض يرددونه حتى الآن: (لا يُقتل الذئب ولا تفنى الغنم)؛ فإذا كنت تملك بندقية تستطيع أن تجعل من الذئب الذي يفني غنمك جثة هامة، أو كان بإمكانك القبض عليه، وإيداعه وراء القضبان، كما هي حال الوحوش الضارية في حديقة الحيوانات، فأنت في هذه الحالة (مُفرط)، وغالباً ما تكون أنصاف الحلول تفريطاً، وهذا ما أثبته التاريخ، ومازال يثبته حتى الساعة.
كل ما أطالب به، ويطالب معي كثير من العقلاء، أن نعامل مشايخ التحريض مثل معاملة من يقدم على الإرهاب، وينفذ عملياته. فهؤلاء هم (مصنع) الإرهاب الحقيقي، ولن نجتثه، ونقضي عليه، إلا إذا تعاملنا معهم أولاً بحزم. ولنتذكر قول الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى
إلى اللقاء..