حديثنا عن كتاب جليل القدر عظيم الفائدة يقع في اثني عشر جزءاً تحدث عنه ياقوت الحموي في معجمه قائلاً: (جمع فيه البخاري ومسلم والموطأ وسنن أبي داود وسنن النسائي والترمذي عمله على حروف المعجم وشرح غريب الحديث ومعانيها وأحكامها وصنف رجالها ونبه على جميع ما يحتاج إليه منها) ثم أضاف إلى ذلك قائلاً: أقطع قطعاً أنه لم يصنف مثله قط ولا يصنف، وهذا يدل على اهتمام المؤلف وحرصه وعنايته واهتمامه بهذا الكتاب، حيث بذل مجهوداً كبيراً وعملاً جيداً وجمع شمل الأحاديث ورتبها وبوبها، ولقد قام مجموعة من العلماء باختصاره وتحقيقه آخرهم الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية فظهرت طبعته الأولى عام 1950م ومؤلف هذا الكتاب ابن الأثير وقد اشتهر بهذا الاسم واسمه مجد الدين المبارك بن محمد بن عبدالكريم الشيباني الشافعي ولد في الموصل عام 544هـ وتوفي سنة 606هـ وتعلم في الموصل وذاع صيته وتبحر في مختلف العلوم واشتهر بنشر العلم والتدريس، وكان مرجعاً للباحثين والدارسين وتقلد عدة مناصب لسيف الدولة بن زنكي ولكن مناصبه لم تحل بينه وبين الدرس والتحصيل فهو من أسرة معروفة بالعلم، وله عدة كتب منها النهاية في غريب الحديث، والشافي في مسند الشافعي، والمختار في مناقب الأخيار، والبديع في النحو والباهر في الفروق في النحو وتجريد أسماء الصحابة، والجواهر واللالئ ومنال الطالب في شرح طوال الغرائب إلى غير ذلك من الكتب والمؤلفات والرسائل، وقد عرف بغزارة علمه وتفقهه وتواضعه، وكان له إخوة علماء عرفوا في ميادين الأدب والتاريخ مما خلد اسمهم بين أعلام العرب، فإخوة ابن الأثير ضياء الدين نصر الله (الكاتب الأديب) صاحب الكتب المعروفة المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر والجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور والوشي المرقوم في حل المنظوم، والمعاني المخترعة في صناعة الإنشاء، والبرهان في علم البيان، والأخبار النبوية والسرقات الشعرية، وتجريد أمثال الميداني إلى غير ذلك من الكتب والرسائل المتعددة.
أما المؤرخ فهو ابن الأثير عز الدين علي صاحب كتاب الكامل في التاريخ، التاريخ الباهر، وأسد الغابة في معرفة الصحابة، واللباب في تهذيب الانساب، والجامع الكبير في البلاغة وغيرها من الكتب والمؤلفات الثمينة.
وهكذا يتبين دور هؤلاء الإخوة العلمي وجهودهم ومصنفاتهم في ميادين الحديث والتاريخ والآداب ورسائلهم الشهيرة وهم مصدر فخر واعتزاز بما لهم من مكانة علمية وما صدر عنهم من مؤلفات حظيت بالاهتمام والمراجعة العلمية والبحث والدراسة المتعلقة بالعلوم التي برعوا فيها مما يبرز القيمة العلمية لكتبهم والحديث عن هذا الكتاب ومؤلفه وإخوته كثير جداً، كما أن الكثير من العلماء والأدباء والمؤرخين تحدثوا عنهم وعن مصنفاتهم والتي هي مليئة بالمعارف والعلوم وفي قراءة كتبهم فائدة ومتعة وعلم وبلاغة وحسن بيان ويحتاج إلى صفحات من أجل بيان مكانتهم وأعمالهم العلمية، تلك لمحة عن هذا الكتاب ومؤلفه.
- عبد الله بن حمد الحقيل