في الحقيقة أن ثمة (حرباً) بالمعنى الحقيقي، لا: المجازي، حرباً يخوضها الإسلامويون بأسلحة (التكفير) والوصف (بالردّة) و(العلمانية) التي جعلوها مساوية لمفهوم (الإلحاد). لأي اجتهاد يخرج عن طوعهم ويتناقض مع أطروحاتهم. ويلي الاتهام بسلاح التكفير ومشتقاته: إطلاق الرصاص!. ينطلق الرصاص من الجناح العسكري للاتجاهات الإسلاموية. والحقيقة أنه يصعب هنا الحديث عن (اعتدال) أو (تطرف).
فالحروب -جميع الحروب- لا ينفصل فيها الإعلام بما يبثه من -إيديولوجيا- الحشد والتجييش عن العمليات العسكرية في الميدان. وعادة لا تمرّ حرب دون ضحايا أبرياء وطبعا دون أخطاء تكتيكية تفتك بالأبرياء. ومن هنا تصبح المطالبة بـ(مناطق فكرية آمنة) دعوة للكف عن التفكير والحوار والمساءلات أي: استسلاماً للقدر المفروض باعتبار أن كل الاتجاهات من خصوم الإسلامويين كالليبراليين والتنويريين بكل اتجاهاتهم وفصائلهم ليس لديهم أذرع عسكرية مماثلة لأذرع الإسلامويين. ولهذا يميل الإسلامويون إلى جعل الجناح العسكري للسلطة السياسية الحاكمة -أجهزة الأمن مثلاً- هو الجناح المقابل لجناحهم أو ذراعهم العسكري الإسلامي.
فإذا كانت (الحرب) واقعاً ماثلاً -في مصر مثلاً- له ضحايا سالت دماؤهم وتقطّعت أشلاؤهم في الشارع المصري بالسلاح الإسلامي كما سالت دماء وأشلاء ضحايا آخرين (داخل السجون) وفي مخافر الشرطة وفي الشوارع والطرقات ينتسبون أو (تنسبهم) أجهزة الأمن لجماعات الإرهاب الديني، إذا كان ذلك: كذلك، فهل هذه الحرب حقيقة بين (الإسلامويين) و(العلمانيين) كما يحاول الخطاب الإسلاموي أن يؤكد؟!. هذا هو السؤال THAT›S THE QESTION!. وسيكون جوابنا عنه متعارضا مع قول الإسلامويين.
أولاً: لأن الصراع يدور جوهره على أرض (الإسلام) وليس خارج حدوده.
وثانيا -وهو الأهم- أن الصراع يدور بين من يريدون (إسلاماً عصرياً) وبين من يريدون (أسلمة العصر)!. وهذا هو جوهر ما كتب (فؤاد زكريا) في رده على القائلين بمقولة (الوسط) المعتدل. فهم ينطلقون أساساً من مقولة الإسلامويين بأن الصراع القائم هو صراع بين - العلمانية - و-الإسلام - وهي أطروحة خاطئة في أساسها. ويتم توظيفها توظيفا إسلامياً غير جائز -شرعاً- لكي يستولوا على السلطة. إن هنالك ما يُسمّى (شهوة السلطة) لدى السلطة ولدى من هم خارجها. وهنالك أشخاص في منظومة السلطة يكرهون عملهم ولكنهم يستمرون في أدائه على أنه قدر مكتوب في اللوح المحفوظ. الذي لا يطلّع عليه إلا الله تعالى جلّ شأنه وتبارك اسمه، ولكن المتحزبين إسلاموياً في مجتمعنا -وهو كان مجتمعا متسامحا قبل أكثر من 30 عاما- تعود إلى سنّ المراهقة وهي الثامنة عشرة وبعدها كذا رقم، وفي الغرب يدعون الـadults أي البالغين ممن هم في سن الأولاد من السنة الثامنة حتى بعد العشرين بعددين. يسمونهم Children حتى يبلغوا الثامنة عشرة، والكلمة المكتوبة بالانجليزية معناها الأطفال أو الأولاد. يدخلون الجامعة بلا هدف محدد. سوى النجاح!. وبعد النجاح يقولون (نرجي من الله خير!) ويجتمعون. كانوا يتسلون بالكرة، فاندس المؤدلجون بينهم ومن المؤكد أنهم اجتذبوا آلافاً من هؤلاء الذين كان همهم النجاح وصار همهم الآن هو تطبيق الإسلام. بلادنا بلا ذرائع ودون خجل هي أم هذا الإسلام وتطبقه بشدة أيضا! ولكنهم تعلموا من المؤدلجين الانتحاريين إسلاماً ليس كالإسلام. إنه شهوة السلطة كما جاء سالفاً. ولتسأل واحداً منهم ليس مراوغاً على الأقل وما هدفكم من السلطة؟ فيقول لك إن هذه مسألة عميقة وصعب شرحها!. إن الصادق منهم يهرب هكذا. ولكنّ الآخرين المتمرسين يحيلونك إلى أبي الأعلى المودودي -رحمه الله- وهو هندي أصدر كتاباً موجزاً وكأنه (المنفستو) وكتابه المسمى نظام الحكم في الإسلام. ويقول في هذا الكتاب إن الله أمر بأن يكون الناس مسلمين جميعاً ومن يرفض يدفع الجزية أو يُقتَل. ولذا لخص الرسالة النبوية في دولة الخلافة في الأرض والتي يزعم أن من واجب المسلم أن يسعى إلى هذا الهدف وإلا كان مرتداً!. هذه هي قضية الإسلامويين الحركيين والمنظرين والساعين للتجمع تحت اسم تنظيم آخر. كلهم، لا أستثني أحداً!.
إن الله تعالى سبقنا جميعا وقال في كتابه الكريم {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} لقد رتّب سبحانه الحاجات الأولى للإنسان بحيث جعل الجوع والخوف أوّل حاجتين رئيستين للإنسان وهو قام بأن خلق لهم ما يأكلون وجعلهم آمنين بلا نزاعات يعمرون الأمكنة وينتشرون في الأرض ولذلك طلب تعالى منهم أن يعبدوه بهاتين العبارتين اللتين ينبغي علينا أن نتفكر فيهما ونتدبر أمثالهما، وهما الحاجتان اللتان تقوم التنظيمات الإسلاموية بتخريبهما. فهي تعيد الإنسان إلى مرحلة الجوع بسبب أن نزاعاً بين حركتين يفسد حالة الاقتصاد فليسوا بمتسائلين عن تبعات تزعمهم للإنسان الذي يجوع والذي يشعر طوال حياته بالخوف وتكثر الإصابات بالأمراض العصبية والنفسية الناتجة عن حالة الحرب المستمرة والتي لن تنتهي مطلقا إذا شئنا إنهاءها فقط. هؤلاء الكفار سبيل! والذين يريدون أن يجعلوا الناس كفاراً مثلهم أو يلقون عليهم قنبلة تمحوهم ومن حولهم من على وجه الأرض، هذه ذريعة أولى، والثانية (واللي تتبعَهْ!)* هي أننا لسنا كمخلوقات لله من نملك قرار إنهاء الحياة، لأنه لن ينهي الحياة إلا من وهبها! والذي وهبها هو الله.
فبأيّ حديث بعده تؤمنون؟!
** ** **
* يقال الثانية واللي تتبعه بالعامية تأكيداً على وجهة نظر القائل!