يظن المهتمون بالشأن الثقافي والمنتمون إليه أن الحالة التي مرّت ومازالت تمرّ بالحراك الإبداعي والفكري قد تغيرت إلى الأفضل بسبب أن وزارة الثقافة قامت بخطوتها الجريئة والممتازة وهي تفعيل المادة التي كانت - فريضة غائبة - نحو ثلاثين عاما من تأسيس الأندية الأدبية وهي المادة التي تؤكد بصراحة ودون غموض يجعل من تفسيرها صعبا إذ ْ تنصّ هذه المادة على أنه بعد كل أربع سنوات تجتمع الجمعيات العمومية لترشيح مجلس إدارة كي لا تتكلس هذه الأندية وكي لا تصبح مجالا للذين يهمهم البقاء مسيطرين على العمل الثقافي وهم بعيدون جدا عن الهم الثقافي والفكري وليسوا في وارد طرح الأسئلة التي تميز المبدعين الحقيقيين عن أدعياء الإبداع وتضع الجيل الذي يعدّ جديدا وشابا أمام مسئوليته التي ينادي بضرورة أن تكون أول الاهتمامات التي تحرّك الوسط الثقافي وتضعه في اختبار ليس من السهولة أن يجتازه إلا إذا كان مثقفا عميقا ويضع الثقافة لا كشكل و(برستيج) ولكن كضرورة حياتية في عالم أصبحت الثقافة تشكل خطابه الحضاري وتؤلف مبادىء لا مناص للمثقف من تطبيقها والعمل بروحها والتفكير بها على اعتبار أنها هي القضية المركزية للمثقفين الملتزمين والجادّين.
لكنّ الأحلام الوردية غالبا ما تتفسر على أرض الواقع بشكل قاصر وأنوي وحتى القول بأنه نكوص الى الحلم بديلا عن العمل لأن الثقافة هي عمل واسع الطيف ومتمدد ويتسع ليشمل كل الإبداع ويؤسس حتى للخطاب السياسي الذي تحمله أمته أمانة في عنقها وترفض استبداله بخطاب مزوّر يمارس تزييف الوعي ومن ثمّ تزييف الواقع لأنه متكسب من حالة التخلف التي تعني فيما تعني العجز عن التحرّك الإيجابي وردّ الفعل المتجاوز حالة القبول الأعمى الذي يريح الفرد من مجموع المثقفين الذين يأبون هذا الشكل من الحركة الثقافية لأنه يحوّل مجتمعاتهم الى نوع من المستعمرات الفكرية والثقافية يزرع فيه العابثون أعشاب التراجع والنكوص والتنصل من المبادىء التي كانوا يؤمنون بها بحجة أن المجتمع صار سلطة رقابية أشدّ سطوة وهيمنة على العقل والروح وممتلكا أدوات الخوف من التغيير امتلاكا لم يسبق إليه بسبب أن المجتمع هو شكل سلطوي خفي يمارس سلطته من خلال مجموعة من القيم الزائفة التي جرى إحلالها مكان القيم الحقيقية التي تعتبر أولى مهمات المثقف فضحها والوقوف ضدّ من يروّج لها كائنا من كان وبدون تردد وبلا تهاون أو مهادنة.
إن الأندية الأدبية هي واجهة كتب الله على وزارة الثقافة أن تجعلها الهمّ الأكبر لها. مع - أنها كان ينبغي أن تقوم بمهمات ثقافية وحضارية تعدّ ذات أهمية أكبر من الأندية الأدبية التي حتى حين جاءت عبر انتخابات شكك فيها الذين لم يُنتخَبوا، وهذه ردة فعل لا تمتّ للثقافة بصلة، بل إنها ردة فعل صبيانية. وبذات الوقت فإن عطاء الأندية تراجع كثيرا. بل وزادت من حجم الفجوة بين الجماهير وبين الحركة الثقافية. إن الانتخابات بوجه عام جاءت بالسيد (جورج بوش) وكذلك جاءت بحركة (الإخوان المسلمون) في مصر، وجاءت بحركة الجهاد الإسلامي المعروفة (بحماس)، وكذلك الحال في أي انتخابات فإنه لا يلزم المتقدمين لانتخابات الأندية الأدبية أكثر من مجموعة من أشكالهم سواء تمتّ رشوتهم أو أدخل في روعهم مسألة انتماءات قبلية وعائلية - للأسف الشديد - وهذا ما حدث في نادي حائل الأدبي الذي لا يعرف كثيرون أن من تم انتخابهم هم ليسوا مثقفين بالمعنى الحقيقي للمثقف. وليسوا أكاديميين أيضا. وليسوا منتجين للثقافة كمبدعين. وهذه الميزة في (نادي حائل الأدبي الثقافي) تعتبر مثقلة بالدلالات المهة التي لا يتسع المجال لذكرها، ولا حتى تسمح الصحف بنشرها بسبب العلاقة التي تربط بينهما (الأندية والصحف) وهي علاقة الصمت الذي هو: مؤامرة!.
فلو قمنا بعقد مقارنة بسيطة بين الإدارة السابقة في نادي حائل والإدارة المنتخبة الآن فإن الكفة ترجح لصالح الإدارة السابقة المعينة التي أصدرت عشرات الكتب التي غالبها هو تميّز لها عن بقية إدارات أندية أخرى في مدن أكبر من مدينة حائل نذكر منها طبع ونشر الأعمال الكاملة للشاعر الكبير الراحل (محمد الثبيتي) مع إصدار إسطوانة (CD) بصوته ونشرت ديوان المبدع الراحل (عبدالله باهيثم) وكتاب الناقد السينمائي (خالد ربيع السيد) وكذلك كتاب الناقد الكبير (محمد العباس) - نهاية التاريخ الشفوي - وعلى مستوى البواكير نشرت كتاب المبدع الشاب والمتفجر بالموهبة (جارالله العميم) وعددا من الكتب (النوعية) إن صحّ التعبير. بينما لم تصدر إدارته الحالية المنتخبة أي عمل يُذكَر سوى ثلاثة أعداد من مجلة النادي التي كان اسمها (رؤى) وجرى تعديله إلى (توارن) والكلمة لا يستطيع نطقها سوى أبناء المنطقة وللغير ينبغي أن تكتب (إتوارن) ومع نشاز هذا العنوان لم يكن محتوى المجلة يليق بمجلة تصدر عن ناد ٍ ثقافي. وعلى مستوى إخراجها فإنه يشبه إخراج المجلات التي تصدرها الهيئات التجارية والصحية والخدماتية. وهي مجلات طوعية وتهدف للدعاية ولا توزع على أنها تمتلك أية رسالة خارج مضمونها المؤسساتي الحكومي أو الأهلي. وكانت شروط الوزارة للترشح أن يكون المترشح حاملا لشهادة عليا (بعد: جامعية) أو يكون ألّف كتابا أو أكثر دون النظر للكتاب أو الكتب التي أصدرها من ناحية تقييم هذه الكتب. وهذا ما حدث حيث إن أغلب من ترشحوا سارعوا قبل موعد الانتخابات بتأليف كتاب أو أربعة كتب دون مستوى النشر ودون مستوى أن يقرأها مهتمون بالثقافة. ولا غيرهم، مثلها مثل الكتالوجات التي تنشرها المحلات التجارية الكبرى.
عدا ذلك فإن نادي (حائل) أكثر أمثاله من جهة الاهتمام بالجماهير وقد سبق أن تخلى عن مبدعين غير أعضاء رسميين وهم مثقفون رائعون قررت الإدارة المنتخبة التخلص منهم لكونهم يملكون الحس النقدي إضافة لكونهم أكثر شجاعة من أعضاء مجلس الإدارة الحاليين الذين جاء بعضهم بعد انتهاء الانتخابات ولم يقل أحد شيئا عنهم لأنهم متنفذون في إدارات حكومية ذات علاقة بالعمل الثقافي كما تفهمه إداراتهم. وهذا يتيح لهم الإساءة لمعارضيهم بدون تردد وبدون أن يحسبوا حسابا لما يسببونه من أذى معنوي وما يتلوه من أنواع الأذى!
إن هذه شهادة من مثقف يعمل موظفا في هذا النادي ولكن ولاءه للثقافة يسبق ولاءه لوظيفته التي تشبه وظيفة (وزير بلا وزارة ) وهو اللقب الذي تمنحه بعض الدول العربية لوزير الدولة كما يسمى عندنا !. إن واجب الوزارة أن تقوم بعمل تصحيحي لا أن تبكي على اللبن المسكوب لأن بكاءها على اللبن أو على الفرص أوعلى الأخطاء هو ردّ فعل في منتهى السلبية!
وسأكون قريبا معكم حول النادي الأدبي مستلهما (إننا قادرون على التغيير!، وبمنتهى السهولة، ولكنّ الذي يمنعنا من ذلك أنه ثمة من سيتضررون مما نفعل وليس الذين الذين ينتظرون ما ذا سنفعل) كما قال (مالكولم إكس) المناضل الأمريكي الأسود الذي ألهم العالم معاني الفداء وقيمة التضحية من أجل الحقيقة !