إن تصويت حكومة الكيان الصهيوني على مشروع قانون (الحقوق القومية للشعب اليهودي) في (دولة إسرائيل)، لم يفاجئ المراقبين والمتابعين لنشاط اليمين الصهيوني وحكومة نتنياهو، التي ما فتئت تضع العقبة تلو العقبة، أمام أي إمكانية لأية جهود لاستئناف مفاوضات السلام، وإذا ما جرى تصويت الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي على مشروع القانون هذا وجرى اعتماده يكون اليمين الصهيوني ونتنياهو قد أسقطوا آخر أوراق التوت (السمة الديمقراطية) التي تستر بها كيانهم بأنه واحة الديمقراطية في صحراء التيه الديكتاتورية في الشرق الأوسط على مدى العقود السالفة منذ إنشائه، نعم بهذا القانون تكون قد انكشفت وتجلت عورته العنصرية ولا يستطيع أي مكياج أو ادعاء أو تستر بإخفاء هذا الوجه القبيح للكيان العنصري بامتياز.
بات الكيان الصهيوني اليوم يتبلور وفق الرؤيا التي أرادها له رواده الأوائل، ككيان استيطاني إقصائي عنصري يعتمد النقاء العرقي الذي يدعيه كأساس للمواطنة فيه مما يترتب على ذلك ما يلي:
1) يعتبر حق طبيعي وشرعي لأي يهودي أن يستوطن إقليم فلسطين (دولة إسرائيل).
2) يعتبر إقصاء وتهجير المواطنين الفلسطينيين عن موطنهم الأصلي فلسطين عملاً أخلاقياً وفق الرؤيا الصهيونية والتشريعات التي تستند إلى هذا القانون مستقبلاً.
3) هذا التشريع يؤدي إلى اعتبار القرار الأممي رقم 194 لسنة 1948م والقاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم لاغ وغير ممكن التنفيذ.
4) هذا التشريع يكشف عن الطبيعة العنصرية لهذا الكيان والقائمة على الفصل العنصري باعتبار أي يهودي في العالم يمتلك حقوقاً قومية في دولة إسرائيل في حين لا يقر مثل هذه الحقوق لمواطنيه العرب الفلسطينيين من غير اليهود.
لقد ساوت الحركة الصهيونية وطابقت بين مفهومين مختلفين وهما (الدين، والقومية) في حين أن الأصل في ذلك أنهما مفهومان مختلفان اختلافاً كلياً طبقاً لعلم الاجتماع ولعلم السياسة ولمفهوم الدين...
فاليهود ليسوا قومية كما ليسوا شعباً إطلاقاً، فالقومية مفهوم اجتماعي، والشعب مفهوم قانوني سياسي، وأما الدين فهو مفهوم لاهوتي ديني،... فاليهودية ديانة شأن أي ديانة أخرى.
فاعتبار (دولة إسرائيل) أنها دولة كل اليهود في العالم هذا مخالف لكل العلوم الإنسانية وللمفاهيم اللاهوتية لدى كافة الديانات كما هو مخالف لقواعد القانون الدولي العام، وإن ادعى اليهود أنهم ديانة مغلقة على جنس بشري محدد، فإن هذا الادعاء يسقط أمام الواقع الذي يفرض نفسه بوجود منتسبين للديانة اليهودية من كافة القوميات والشعوب المختلفة من عربية وشرقية وغربية.
بسن هذا القانون تؤكد حكومة الكيان الصهيوني عدم رغبتها بتحقيق أية تسوية، وتعيد الصراع إلى مربعه الأول، كصراع بين مشروعين متصادمين (المشروع القومي الصهيوني) في مواجهة المشروع (الوطني القومي الفلسطيني)، وبالتالي يبقى هذا الصراع محتدماً بين المشروعين دون هوادة أو تسوية حتى ينهزم أحد المشروعين هزيمة كاملة بنتيجة صفرية أمام الآخر، لذا فإن كافة جهود التسوية والسلام الآن ما هي إلا ذر للرماد في العيون، وهذا يفتح الباب على مصراعيه لإعادة النظر في جميع السياسات والإستراتيجيات القائمة، لما يمثله هذا القانون من اعتراف صريح أن «إسرائيل» كيان فصل عنصري، يقتضي تجريمه والعمل على نبذه من كافة المحافل الدولية وتقديم قادته للمحاكم، ودعم نضال الشعب الفلسطيني وقوى السلام الديمقراطية في (إسرائيل) من أجل التخلص من هذا الكيان العنصري أسوة بما جرى في جنوب إفريقيا في نهاية القرن الماضي لنظام الفصل العنصري المقبور هناك.