ما هو الخط الفاصل بين التحضر والهمجية؟
الحضارة هي أساليب الحياة الناتجة عن نظم اقتصادية واجتماعية وعلمية وفنية. أي أنه لا حضارة بلا سعي لتطوير علم الاجتماع الإنساني الذي يخلق البيئة الخصبة لتطوير الفن والعلم وهُم علائم نشوء الحضارات. سعى الإنسان حثيثاً في صناعته للحضارة البشرية لتطوير مهارات التواصل الاجتماعي، وذلك لتحقيق أهدافه بحد أعلى من المكاسب وبأقل خسائر ممكنة. الرجل البدائي يفكر فيما يفعل ولا يفكر بكيف يفعل. ولا يهمه رصد الخسائر. مهارات التواصل هذبت الإنسان، وعلمته كيف يقول ومتى وأين، كيف يؤثر على الآخر، كيف يقنعه، وكيف يصل لأهدافه بسهولة.
عدد من أهالي القطيف كانوا باستضافة رئيس التحرير خالد المالك في مقر صحيفة الجزيرة الأسبوع الماضي، محملين بحس وطني طغى على مجريات الحديث، مؤكدين حرص أبناء القطيف على أمن واستقرار البلاد. ومحملين أيضاً بعتب على الصحيفة ورئيس تحريرها بسبب مقال الدكتور عثمان العامر بعنوان «سماحة الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله وما أشد الليلة عن البارحة». الأمر الذي استقبله الأستاذ خالد المالك برحابة صدر، وبين لهم أن توجهه في رئاسة التحرير هي احترام وجهة نظر الكاتب، وأبلغهم أن باب الرد مفتوح لمن رغب. انتهى اللقاء وتفرق الضيوف ومضيفهم. وبعد بضعة أيام تم نشر مقال للكاتب حسين السنان يبين فيه ردة الفعل العامة إثر مقال الدكتور عثمان الذي تناول حادثتين الفارق الزمني بينهما خمسون عاماً. والذي يرى الأستاذ السنان أن المقاربة بينهما محاولة لإقرار حكم الإعدام التعزيري الصادر بحق نمر النمر. وأبدى استياءه من وصف الشيخ عبد الله الخنيزي بالرافضي. واصفاً إياها بـ «الطائفية الذميمة». كما ختم مقاله بكلمات تعيد التوازن لشخص الشيخ الخنيزي وتبين مقامه ومجهوداته الرائدة والدائمة لخدمة الوطن والمواطن.
إن ما حدث بمجمله صحي وسليم، ويمكنني وصفه بالمتحضر. فما قام به المواطنين السبعة فعل متحضر بكل ما تحمله الكلمة من معنى. يحمل أوجه إيجابية عدة.
1 - معرفة حق الرفض والاختلاف مع كاتب المقال.
2 - إعلان الرفض وعدم كتمانه والاكتفاء بالغبن الداخلي وإذكاء نار المظلومية
3 - المبادرة باتخاذ موقف إيجابي بالتواصل مع الجهة المعنية الصحيحة.
4- استخدام آلية الحوار السلمي والهادئ.
5 - معرفة حقوقهم والمطالبة بها.
6 -كتابة مقال مضاد ونشره في نفس قناة النشر الأولى.
ماذا لو اكتفى المجموعة بالتظلم ورد الأسباب إلى تحيز الجريدة وطائفيتها؟ هل كانوا سيعرفون طبيعة رئاسة التحرير المتمثلة بالأستاذ خالد المالك الذي عرفناه متوخياً للعدالة والإنصاف في كل ما ينشر باسم الجريدة؟ والذي شهدنا ككتّاب على مواقفه النبيلة في رفض كل ما من شأنه إذكاء نار الفتن بين الطوائف الإسلامية. والتي شهدتُ - شخصياً - رفضه لبعض المقالات التي قد تحمل ما يحرض أو يزعج مشاعر البعض.
كما فَسح بالمقابل لي عدة مقالات تتناول التطرف (السني والشيعي) بالأمثلة والشواهد ونقدتُ في مقالات أخرى قنوات التحريض. إن من يعرف الأستاذ المالك عن قرب سيدرك حجم إنسانية وعدالة هذا الرجل الذي وهب عمره من أجل خدمة الوطن وكلمة الحق.
مقال حسين السنان أمامي الآن، أنظر له بعين الإكبار، وأراه نقلة نوعية في آليات المطالبة بالحق الخاص، الذي أقل ما أصفه به أنه حضاري وراقٍ.
إن الجهل بحقوق المطالبة وإمكانية تحقيقها بالطرق القانونية والحضارية هو ما يدفع البعض للخروج في الشوارع والصراخ بالطريقة البدائية والقيام بأعمال غوغائية لاهي جلبت منفعة ولا قللت خسارة!