تنتهج الدول المتقدمة أسلوباً متميزاً في سياستها للبحث والتطوير، بجعله مرتكزاً لجميع الأنشطة وقطاعات الإنتاج والخدمات، من خلال ما تحشده له من إمكانات مادية وطاقات بشرية مدربة، وما تنشئه له من مراكز متخصصة. كل ذلك أعطى تلك الدول ميزات نسبية وقدرات تنافسية أكسبتها سمة التقدم وصفة العالم الأول «المتقدم».
أدركت المملكة العربية السعودية أهمية العلوم والتقنية في التنمية الشاملة، وقد أفردت لذلك خطة وطنية متخصصة تتجسد في الخطة الوطنية الشاملة للعلوم والتقنية بعيدة المدى (1425-1445هـ) (2004-2024م) بهدف بناء قاعدة وطنية علمية وتقنية تعمل على حشد وتعزيز وتنمية القدرات والإمكانات العلمية والتقنية وتوجيهها نحو الأوليات والاحتياجات الوطنية.
كما تهدف تلك السياسة إلى تنمية وتطوير النظم والبُنى المؤسسية للتعليم، والبحث العلمي، والتطوير التقني، علاوة على توفير البيئة المناسبة اللازمة للإبداع والابتكار والتطوير.
انطلاقاً من الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة، والمنظمات الدولية التي اضطلعت برسم سياسات، واستراتيجيات، وخطط لتطوير العلوم والتقنية.
يُعد الاهتمام بمنظومة العلوم والتقنية والمعلوماتية، ودعم وتشجيع البحث العلمي والتطوير التقني لتعزيز كفاءة الاقتصاد ومواكبة التوجه نحو اقتصاد المعرفة، أداة أساسية للتطور الحضاري في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وتزايدت أهميته في ظل العولمة الاقتصادية والثقافية وتنامي التوجه نحو اقتصاد المعرفة.
تُشكل الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة مطلباً ملحاً لتحقيق التوجهات الوطنية بشأن تطوير وتعزيز الأوضاع التنظيمية والتمويلية للبحث والتطوير بالمملكة التي بدورها تدفع بعجلة التنمية وترسخ للاستقرار الذي يُشكل قاعدة الجذب والاستثمار والنمو والتطوير.
لذا سيتم استعراض التجربة الألمانية مقارنة بالتجربة السعودية في مجال إدارة وتمويل أنشطة البحث والتطوير (RالجزيرةD).
إذ تُعتبر خبرات الدول المتقدمة مقارنة بسياسة البحث العلمي في المملكة انطلاقاً من أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين محور الاستفادة من تلك التجربة بالنسبة للمملكة.
تتمتع ألمانيا بأكبر أنظمة للبحث والتطوير على مستوى منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
حيث يتميز نظام البحث والتطوير في ألمانيا بتقدم نظامه المؤسسي الذي يخدم دولة اتحادية ذات كثافة سكانية وذات اقتصاد صناعي متقدم ومتنوع.
وتوجد تقاليد قوية وراسخة مستمرة إلى جانب محاولات عديدة لتشكيل أولويات وإجراءات جديدة لاتخاذ القرارات في مجال أنشطة البحث والتطوير.
وفي هذا الاتجاه ظهر عدد من النماذج الواضحة والتي تشير نحو استجابة ومرونة أكثر، وقدرة تنافسية مطردة.
بالإضافة إلى التكامل والتعاون عبر المؤسسات المختلفة ولكن ضمن بيئة لا تزال على درجة كبيرة من التنظيم.
بينما لا تزال تفاصيل اتخاذ القرارات مشتقة من توجهات الحكومة التي يتم من خلالها تحقيق توافقاً وتعاوناً كبيرين في التوجهات الاستراتيجية من خلال المبادرات التي تم اتخاذها ضمن المؤسسات القائمة منذ زمن والذي جمع الجهات المعنية لنظام البحث والتطوير في ألمانيا.
يوجد في ألمانيا نظام علمي متميز ونظام اتحادي ومسؤوليات مشتركة ما بين الحكومة الفدرالية وحكومة الولايات والتي تنقسم من الناحية المؤسسية إلى هيئة اتحادية لتخطيط العلوم، ومجلس للعلوم، ووزارة اتحادية للتعليم والأبحاث، وقطاع التعليم العالي، وقطاعات معاهد الأبحاث العامة، والجمعيات البحثية الألمانية، والتي تتولى دعم وتنسيق السياسة الوطنية في مجال البحث والتطوير بألمانيا بشكل مشترك بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات.
تعد الهيئة الاتحادية لتخطيط التعليم وتشجيع البحث والتطوير منتدى يلتقي فيه الوزراء الاتحاديون ووزراء الولايات وموظفو الخدمة المدنية لتنسيق سياسة البحث العلمي والتخطيط ويتم فيه الاتفاق حول المسؤوليات والترتيبات لأنشطة البحث والتطوير بما في ذلك الصيغة لعناصر نظام الأبحاث التي تتم بشكل مشترك.
يعتبر مجلس العلوم الذي تم إنشاؤه في عام 1957م جهاز استشاري مستقل في مجال السياسات الذي يقوم بتوحيد آراء الجهات المعنية من خلال عملياته.
ويتم تعيين أعضائه من قبل الرئيس الاتحادي والذي يتم فيه توصية الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات في جميع المسائل المتعلقة بالتعليم العالي وسياسة البحث والتطوير.
تعد الوزارة الاتحادية للتعليم والأبحاث الوزارة الرئيسة المسئولة عن سياسة الأبحاث الاتحادية والإسهامات الاتحادية المباشر للتعليم العالي وقطاعات معاهد الأبحاث العامة وتنفق المانيا ما نسبته (2.5%) من إجمالي الناتج القومي المحلي.
يعتبر التعليم العالي ممثلاً في الجامعات الألمانية عنصراً مركزياً من عناصر نظام البحث والتطوير في ألمانيا ويشمل وحدات كبيرة ومتنوعة، ويحتوي نظام التعليم العالي على تقسيم مزدوج والذي يفصل الجامعات التي تمول الأبحاث وهي في نفس الوقت قادرة على منح درجات علمية في الأبحاث عن مؤسسات التعليم العالي الأخرى بما في ذلك الكليات التي تقدم دورات دراسية في مواضيع خاصة والتي لا تستطيع منح درجات علمية على الأبحاث وتكون أنشطة الأبحاث فيها محدودة نسبياً وذات طبيعة تطبيقية.
يبلغ عدد المؤسسات ذات المستوى الجامعي في ألمانيا (82) مؤسسة إضافة إلى (124) كلية تقدم الدورات الدراسية الخاصة.
ويتم إنشاء مؤسسات التعليم العالي تحت مظلة تشريع الدولة بتمويل (مؤسسي) أساسي بواسطة الاعتمادات المالية من أموال الدولة.
وضمن الولايات الستة عشر الألمانية المختلفة يوجد عدد مختلف من النماذج القانونية لمؤسسات التعليم العالي، وغالباً ما تكون وفق قانون القطاع العام، أو مؤسسات وقفية.
كما يوجد اختلاف في الاختصاصات طبقاً لتصنيف الأبحاث.
فعلى سبيل المثال يوجد في بادن رتمنبرج جامعات فقط.
بينما يوجد في نوردين، ويستفالن إضافة إلى الجامعات العامة جامعات تقنية وعدد من الجامعات الشاملة التي تجمع ما بين الجامعة والكليات التي تقدم دورات دراسية في مواضيع خاصة.
ويختلف وضع التمويل أيضاً ففي بعض الولايات ما زال وضع الميزانية ملحقاً بالخدمات العامة التابعة للولاية وبذلك تمنع مؤسسات التعليم العالي من السيطرة الكاملة على الموظفين والنواحي المالية.
تختص جمعية الأبحاث الألمانية باعتبارها جمعية مستقلة غير ربحية بتوفر المصدر الرئيس لتمويل مشاريع الأبحاث الجامعية.
تم أنشاؤها عام 1920م، تعمل بطريقة تشبه عمل مجلس الأبحاث في كون أن معظم التمويل يتم منحه بطريقة تنافسية من خلال عملية تقديم النظير مقابل الطلبات.
وتعتبر جمعية الأبحاث الألمانية أهم جهاز تمويل متوسط المدى في مجال التمويل الوطني في ألمانيا، حيث يمول نطاقاً واسعاً من الأبحاث وبشكل أساسي تمويل الأبحاث في الجامعات.
في حين أن دستور الجامعات ينص على إجراء الأبحاث إلا أن مسألة تركيز الأبحاث في بعض الجامعات أكثر من غيرها ما زالت مستمرة حيث يذهب حوالي(50%) من تمويل الأبحاث الممنوح من قبل جمعية الأبحاث الألمانية إلى ربع الجامعات.
ومعلوم أن اقتصاد المعرفة يقتضي تركيز الأبحاث بصورة قوية في مجالات حيوية ويظهر أن السياسة الوطنية الألمانية تتجه نحو تعزيز هذا الاتجاه.
تحظى معاهد الأبحاث العامة بأهمية عالية على المستوى الوطني في ألمانيا.
ويتم تمويلها بشكل مشترك من قبل الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات وتنقسم إلى أربع شبكات كبرى من أبرزها جمعية ماكس بلانك وهي جمعية مسجلة غير ربحية، وتقوم بإجراء الأبحاث الأساسية في شبكتها التي تتكون (81) معهداً حيث تركز على الأبحاث الحديثة جداً والمتنوعة في مجال العلوم الطبيعية والطب والعلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية.
ويتم تصميم أعمالها بحيث تكون مكملة للأبحاث الجامعية.
يعتمد حوالي (95%) من تمويلها على مصادر عامة.
وجمعية فرانهوفر والتي أنشئت في عام 1949م وهي جمعية لتركز على الأبحاث التطبيقية في مجال الهندسة بشكل كبير وفي مجال العلوم الطبيعية من خلال شبكتها المكونة من (56) معهداً تعمل قريباً من مناطق الصناعة.
وتشمل ميزانية جمعية فرانهوفر (35%) التمويل العام الرئيسي، (35%) من الصناعة (وفق التعاقد)، و(30%) من تمويل المشاريع غالباً من المصادر العامة إضافة إلى المؤسسات الخيرية.
وجمعية هلمهولتز مراكز الأبحاث الألمانية وتشتمل هذه الجمعية على (15) معهداً للأبحاث تغطي نطاقاً واسعاً من الأبحاث الطبيعية والفنية، والعلوم الطبيعية، والهندسية، وأبحاث الطب الحيوي الأساسية والوقائية وأبحاث ما قبل التنمية الصناعية.
وتحتوى بعض مراكز الأبحاث بها على مرافق كبيرة وذات تكلفة عالية أغلبها متاح للاستخدام من قبل الباحثين من القطاعات الأخرى.
ويتم حالياً عرض إدارة البرنامج القائم على المواضيع (مقارنة بالبرنامج القائم على المؤسسية) وذلك ليساعد على إنشاء قاعدة لترشيد الأنشطة البحثية داخل الشبكة.
وتنظم جمعية هلمهولتز أنشطة مراكزها البحثية في ستة حقول: هي تركيب المادة، الأرض والبيئة، الأرض والفضاء، الصحة، الطاقة، التقنيات الأساسية.
يشكل دعم الحكومة جزء من الميزانية الرئيسة لجمعية هلمهولتز لمراكز الأبحاث الألمانية 0بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات.
وجمعية ويلهيلم - جوتعزيز - لينيز للعلوم وهي جمعية تشمل (78) معهداً مستقلاً غير جامعية تم تشكيلها في شبكة المعاهد التابعة لهذه الجمعية من خلال معاهد بحثية صغيرة ذات طابع خدمي تتسم أنشطتها في البحث والتطوير بكونها تتعدى الاهتمامات الإقليمية.
ومازال التمويل لهذه المعاهد يتم بشكل منفرد مباشر عن طريق الحكومة من خلال القائمة الزرقاء والتي تعد أداة تمويل تم الاتفاق عليها بشكل مشترك بين السلطة الاتحادية وسلطات الولايات.
وتقوم أمانة عامة صغيرة بمناقشة الشؤون العامة للمعاهد الأعضاء إضافة إلى المهام الصبغة المتعلقة برفع مستوى صورة المعاهد واعتبارها شبكة جديدة.
تقوم الجمعية بإجراء عملية تقييم دوري للمعاهد بهدف اكتشاف الكفاءات عالية الجودة ضمن معاهد الشبكة.
إضافة إلى هذه الأربعة الشبكات الرئيسية، هناك معاهد بحثية تُركز على المهام الخاصة بالحكومة الاتحادية وحكومات الولايات.
تضطلع الأكاديميات بمسئولية بحثية جوهرية إذ يوجد في ألمانيا أكاديميات علمية تابعة للدولة ولها باع طويل في هذا المجال من ضمنها مثلاً أكاديمية اللبافاربان للعلوم.
وينظم اتحاد الأكاديميات الألمانية الأنشطة المشتركة مثل الندوات كما ينسق برنامجاً بحثياً يستفيد من التمويل المشترك للحكومة الاتحادية وحكومات الولايات ولكن بميزان متواضع نسبياً.
ومعظم أعضاء الأكاديمية يحتلون مناصب جامعية.
من الناحية التنظيمية في كل من التعليم العالي ومعاهد البحوث العامة، يتم بلورت جهاز وسيط بين الحكومة والمجموعات البحثية حيث يتم فيه اتخاذ القرارات حول تفصيل مخصصات تمويل أنشطة البحث والتطوير باستخدام إجراءات تنافسية ومعايير للأداء.
وفيما يتعلق بالجامعات، يعتبر هذا الجهاز مستقلاً يجري تمويله من قبل الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات ويعتمد في اتخاذ قراراته على المجتمع العلمي.
وبالنسبة لمؤسستين كبيرتين متكاملتين وهما جمعية ماكس بلانك وجمعية فرانهوفر، فإن العملية التنظيمية تقع في أعلى المستوى الإداري التنظيمي وذلك من خلال آليات يتم تحديدها داخلياً.
تمر جمعية هلمهولتز لمراكز الأبحاث الألمانية في مرحلة انتقالية حيث أنها بدأت بتطوير إجراء يتم إدارته بشكل مركزي وذلك لموازنة مخصصات المؤسسات الأعضاء المستقلة ما بين التمويل الرئيسي وبرامج التمويل الأخرى.
اما بالنسبة لجمعية ويلهيلم - جوتعزيز - ليبنيز للعلوم فلا يوجد حالياً أي آليات وسيطة لاتخاذ القرارات حول المخصصات المالية داخل الشبكة، رغم أن عملية التقييم القائمة حالياً توفر بشكل واضح القاعدة المطلوبة لبناء مثل هذه الآليات، وهناك اهتمام بنتائج عملية جمعية هلمهولتز الألمانية لمراكز الأبحاث.
تعتبر حكومات الولايات داعماً نشطاً لسياسة الأبحاث حيث يدعم عدد من الولايات الأبحاث وتشجعها بشكل نشط وفاعل إضافة إلى توفير المساعدة اللازمة لمواقع المرافق الجديدة من قبل كل من القطاعين العام والخاص.
كما إن تطوير سياسات مترابطة وإصلاح هيكل يسير بشكل دقيق في ظل وجود نظام بحثي وطني كبير ومركب يتم مؤسسيا.
تقع المسئولية الرئيسة لدعم البحث والتطوير في ألمانيا على عاتق «الولايات الاتحادية» بحسب النظام الدستوري الألماني.
ويتم تنظيم التمويل العام لمختلف أوجه الأبحاث عن طريق المصادر الفدرالية، وموارد الولايات، وبواسطة التمويل المشترك بين المصادر الفدرالية والولايات بحسب الصيغة المتفق عليها.
تقع المسؤولية الرئيسة لدعم الأبحاث والتطوير في النظام الدستوري الألماني على الولايات الاتحادية.
لذا فإنها تقوم بتمويل وتشجيع الأبحاث بشكل مستقل إضافة إلى التعاون مع الولايات الاتحادية الأخرى والحكومة الاتحادية.
ويتم توجيه تمويل الأبحاث والتطوير في الولايات إلى قطاع التعليم العالي بشكل رئيس بما في ذلك الإعانات السنوية لأغراض معينة للأبحاث الجامعية والتدريس وتبرعات الولايات إلى جمعية الأبحاث الألمانية.
ويتم تمويل جمعية الأبحاث عن طريق كل من الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات وذلك من خلال صيغة تتنوع بحسب البرنامج.
وذلك لدعم تنويع البرامج ويشمل المنح الضرورية، والتعاون في الأبحاث والتجهيزات الأساسية للأبحاث.
وتمثل جمعية الأبحاث الألمانية الحصة الأكبر من تمويل الدولة تحت ترتيبات التمويل المشترك.
تتبرع الولايات الألمانية أيضاً لتمويل معاهد الأبحاث المتفق عليها على المستوى الوطني.
كما أنها تدعم تمويل مؤسسات الأبحاث الحكومية التابعة للولاية المحلية.
إضافة إلى مشروعات الأعمال وبرامج تمويل التقنية والابتكار.
كما أن بعض الولايات توفر تمويلاً كبيراً للأبحاث وذلك لدعم المؤسسات التابعة لها.
بالإضافة إلى ذلك يسهم القطاع الخاص غير الربحي بنسبة تقل عن (2%) من خلال المؤسسات غير الربحية المعنية بتمويل أنشطة البحث والتطوير، ورغم صغر نسبة تمويل هذا القطاع في ألمانيا إلا أنه ذا أهمية للقائمين على الأبحاث الرئيسة حيث لا توجد عليه تلك القيود المرتبطة بالتمويل العام.
تشير التجربة الألمانية وجود وزارة معنية بأنشطة البحث والتطوير، ومجلس للعلوم وهذا يظهر التباين في التنظيم المؤسسي بين المملكة والمانيا، إذ لا يتوفر في المملكة وزارة أو مجالس بحثية تضطلع بمهام البحث والتطوير.
وتتمتع ألمانيا بأكبر نظام للعلوم والتقنية والأبحاث والتطوير على مستوى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، حيث يستوعب القطاع الصناعي نحو (63.3%) من الأبحاث والتطوير، والتعليم العالي نحو (15.5%)، وقطاعات معاهد الأبحاث الحكومية والخاصة نحو (13.3%).
وفيما يتعلق بالمملكة فيعكس الوضع الراهن أن الأجهزة الحكومية تستحوذ على نسبة عالية من أنشطة البحث والتطوير، في حين أن جهود القطاع الخاص لا يكاد يعتد بها في هذا المجال، فهو يركز على استيراد الاستشارات والتقنية والحلول التقنية من خارج المملكة.
تتولى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية جهود دعم وتمويل البحوث العلمية للجهات الحكومية والخاصة والأفراد، وذلك في إطار برنامج المنح السنوي وفقاً لأولويات البحثية التي أوضحتها السياسة الوطنية للعلوم والتقنية.
حيث يقتصر دعم مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية على مشروعات بحثية وطنية محدودة.
وتستند المملكة في تنفيذ السياسة الوطنية للعلوم والتقنية إلى مجموعة من الأجهزة والمؤسسات العلمية كمراكز البحث العلمي والتطوير التقني والهيئات التعليمية والمراكز المساندة للبحث والتطوير التابعة للأجهزة الحكومية المختلفة والجامعات والقطاع الخاص.
فمثلاً تُعد مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية مرتكز البنية المؤسسية للبحث العلمي والتطوير التقني في المملكة.
في حين تُسهم الجامعات السعودية بجهود متميزة في قيادة وتعزيز مسيرة البحث والتطوير في المملكة، انطلاقا من مراكزها البحثية.
تقوم المراكز والمعاهد البحثية المتخصصة، مثل مركز الأبحاث بمستشفى الملك فيصل التخصصي، ومعهد بحوث جامعة الملك فهد لبترول والمعادن، ومركز الأبحاث بمستشفى الملك خالد التخصصي للعيون، ومعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج، ومعهد الملك عبدالله للخدمات الاستشارية، ومركز الأبحاث الزراعية، ومركز أبحاث مكافحة الجريمة، ومعهد البحوث والخدمات استشارية بجامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية، ومعهد البحوث والاستشارات بجامعة الملك عبدالعزيز، بأنشطة بحثية متنوعة تُلبي حاجات القطاع العام، والقطاع الخاص من خدمات البحث والتطوير والخبرات والاستشارات.
وفي هذا الإطار تُعد مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين بمثابة رافداً من روافد تعزيز ودعم أنشطة البحث والتطوير، في حين تكتسب الجمعيات والهيئات العلمية الوطنية دوراً بارزاً في دعم وتنظيم أنشطة البحث والتطوير.
تشير التجربة الألمانية إلى أن لديها مؤسسات تمويل وسيطة تسهم في توجيه الأموال اللازمة للأبحاث والتطوير دون أن تقوم بإعداد هذه الأبحاث.
وفي المملكة يُفتقد وجود مثل تلك المؤسسات، ويترك للجهات الحكومية والخاصة تدبير الموارد التمويلية لأنشطة البحث والتطوير من ميزانياتها الخاصة في أغلب الأحوال.
أنشطة البحث والتطوير في القطاع الخاص السعودي لا زالت في مراحلها الأولى وليست من أولوياته، خاصة الشركات والمؤسسات المتوسطة والصغيرة.
وحتماً أن انحصار أنشطة البحث والتطوير في الشركات الكبيرة وفي مجالات محدودة له آثاره السلبية على منظومة البحث والتطوير الوطنية بصفة عامة، وعلى الشركات والمؤسسات المتوسطة والصغيرة بصفة خاصة.
فضلاً عن عدم اندماج تلك الشركات الوطنية في منظومة البحث والتطوير الوطنية، إذ لم تستفيد من معطياته ولم تسهم في دعم مسيرته، وذلك انطلاقاً من الاعتقاد السائد بأن الاستثمار في البحث العلمي ترف وعائده بعيد المنال.
أبرز جهود البحث والتطوير في القطاع الخاص تتركز في شركات «أرامكو السعودية»، و»سابك»، و»الإلكترونيات المتقدمة»، من خلال تعزيز أنشطة البحث والتطوير المتخصصة في المملكة.
أما فيما يتعلق بإسهام القطاع الخاص في تمويل أنشطة البحث والتطوير بالمملكة فما زال محدوداً.
إذ لا تتجاوز نسبة إسهام القطاع الخاص بالمملكة (10%) من إجمالي الإنفاق الكلي على أنشطة البحث والتطوير مقارنة بنحو (80%) في اليابان، و(70%) في ألمانيا، و(50%) في الولايات المتحدة الأمريكية، عدا بعض الجهود التي تضطلع بها شركات «أرمكو السعودية»، و»سابك»، و»الإلكترونيات المتقدمة».
نظراً لأن تحديد المواصفات والمعايير تشكل أهمية أساسية في إيجاد تقنية دقيقة لضبط السلع والمنتجات، ومراقبة الجودة، ونحوها، فقد أوكلت الحكومة إلى الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس القيام بتلك المهام من خلال مختبراتها المتخصصة المنتشرة في المملكة.
كل الدراسات التي أُجريت أثبتت الارتباط الوثيق بين البحث العلمي والتنمية المستدامة، كما توصلت نتائج البحوث إلى أهميته في الحد من البطالة وخلق مناصب وفرص العمل.
وكذلك المساهمة الفعالة في زيادة الدخل الوطني.
كما إن تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية، والتحول من نظام الاقتصاد التقليدي الذي يعتمد على المادة الخام إلى الاقتصاديات المتجددة التي تعتمد مثلاً على تقنيات المعلومات والاتصالات التي تعتبر ذات قيمة مضافة عالية، وتخفيف الاعتماد على الموارد الطبيعية القابلة للنضوب جهود تمتلكها مؤسسات البحث والتطوير.
والذي يتحقق من خلال تفاعل وتناغم جهودها لإرساء قاعدة اقتصادية متينة وأقامت فرصاً واعدة حقيقية تكفل الرفاه والاستقرار لأجيال الحاضر والمستقبل.
من الأهمية بمكان أن تسعى الحكومة إلى تكثيف أنشطة البحث والتطوير سواء أكانت التطبيقية أو النظرية من خلال توجيه حصة محددة من موارد القطاع الحكومي والخاص نحو تنمية القدرات البحثية والتطويرية (RالجزيرةD) الوطنية، فضلاً عن تنمية القوى البشرية الملائمة في مجال البحث والتطوير وفق أولويات برامج التنمية الوطنية، إضافة إلى استخدام «نظم الحوافز والمعونات الفنية» لتشجيع مبادرات القطاع الخاص في هذه المجالات.
تتواصل معطيات التنمية في مجال التصنيع المدني والعسكري، وفي مجال النقل والمواصلات، وتهيئة الموانئ والمطارات، ومد جسور العلاقات والتفاعل مع المجتمعات الأخرى عبر قنوات الاقتصاد، والسياسة، والتعليم، والثقافة، داخلياً وخارجياً كل ذلك يتيح مساحة أوسع لخدمة أغراض الأمن الوطني، ويضمن استقرار المجتمع ونمائه وتوجيه الاستثمارات البحثية في المجال العسكري والأمني من خلال العقود الداخلية والخارجية نحو تعزيز برامج التنمية المستدامة التي تلبي متطلبات وتطلعات أجيال الحاضر والمستقبل.
توحي أهداف التنمية الألفية الجديدة التي ستبدأ بحلول عام 2015م وستنتهي بعام 2030م بأهمية تبني المملكة إنشاء «وزارة متخصصة للعلوم والتقنية والبحث والتطوير»، بحيث تتولى مهام التنسيق بين الوزارات والجهات المختلفة بشأن احتياجاتها من الأبحاث والتطوير ومتابعة تنفيذ الخطة الوطنية للعلوم والتقنية.
وكذلك إنشاء «مجلس وطني للعلوم والتقنية» يتولى مسئولية التطوير الشامل لاستراتيجيات العلوم والتقنية في كافة الجهات الحكومية، ووضع سياسات وآليات تنفيذية ملائمة للمملكة بشأن مصادر تمويل الأبحاث والتطوير، إضافة إلى تقييم المشروعات البحثية الاستراتيجية ذات العلاقة بالتنمية الشاملة والأمن الوطني.
مع أهمية إتاحة الفرصة أمام مشاركة رؤساء مجالس إدارات الصناعات الوطنية المتميزة كأعضاء في هذا المجلس.