كنت أتمنى من هيئة مكافحة الفساد التي يقدر جهودها كل من اقترب من طبيعة عملها والمناخات الاجتماعية والثقافية التي تحيطها، كنت أتمنى لو تركز في كل عام على أحد المفاهيم ذات العلاقة بعملها وتعمل على ترسيخه ونشره وتنفيذ برامج تسهم في تعزيزه. مثل الشفافية والمساءلة والحوكمة واللامركزية وإتاحة المعلومات والإفصاح وغيرها. إن هذا ولا شك من أدوات التغيير الثقافي وتصحيح المفاهيم المجتمعية المغلوطة حيث بقي مفهوم الفساد منحصرا في مفهوم واحد فقط هو:
«كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة أي أن يستغل المسؤول منصبه وسلطته من أجل تحقيق منفعة شخصية ذاتية لنفسه أو لجماعته».
وقد اتسع مفهوم الفساد اليوم ليشمل ممارسات جديدة أهمها حجب المعلومات واحتكارها. أو المركزية في العمل واحتكار الصلاحيات أو الحصانة من المساءلة أو الفوضى والتمييع وعدم تحديد المسئولية.
وبمناسبة اليوم العالمي للفساد سأتحدث اليوم عن الشفافية وهي تتداول اليوم بوفرة على ألسنة كثيرين وإن بحثت عن أصلها هي مفردة لا تجدها على هيئتها هذه في مجامع كلام العرب أو أدبياتهم لكن لها مرادف وهو الصدق والإخلاص والعدالة، وهي كلمة ذات معنى مستعار من علم الفيزياء و تعني المادة الشفافة وهي المادة الواضحة الزجاجية التي يمكن رؤية تصرفات الأطراف من خلالها.ويمكن تعريف الشفافية بأنها:-
* مبدأ خلق بيئة تكون فيها المعلومات المتعلقة بالظروف والقرارات والأعمال الحالية متاحة ومنظورة ومفهومة وبشكل أكثر تحديد ومنهج توفير المعلومات وجعل القرارات المتعلقة بالمجتمع معلومة من خلال النشر في الوقت المناسب والانفتاح لكل الأطراف ذات العلاقة».
* وتعرف هيئة الأمم المتحدة الشفافية بأنها» حرية تدفق المعلومات معرفة بأوسع مفاهيمها، أي توفير المعلومات والعمل بطريقة منفتحة تسمح لأصحاب الشأن بالحصول على المعلومات الضرورية للحفاظ على مصالحهم واتخاذ القرارات المناسبة، واكتشاف الأخطاء».
هذا يفضي بنا إلى التأكيد على أن الشفافية نقيض الغموض أو احتكار المعلومات أو السرية في العمل، وتعني توفير المعلومات الكاملة عن الأنشطة العاملة للصحافة والرأي العام والمواطنين الراغبين في الاطلاع على أعمال الأجهزة الحكومية وما يتعلق بها من جوانب ذات مساس بمصالحهم دون إخفاء، عدا أن تكون هذه المعلومات ذات مساس بالأمن الوطني وكشفها يؤدي إلى الإضرار بالمصالح العليا للوطن، أما ماعدا ذلك فإن للمواطن الحق في أن تعامله الجهات الخدمية بكل شفافية ووضوح وشفافية هذه الجهات تتمحور حول جانبين مهمين:
أولهما يتعلق بوضوح الإجراءات وصحة مصداقية عرض المعلومات والبيانات الخاصة بالوحدات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية الخاصة والعامة ووضوح العلاقات فيما بينها من حيث (التخطيط - والتمويل - والتنفيذ) للوصول للغايات والأهداف المعلنة مسبقاً، في حين يتعلق الجانب الثاني بعلاقة ذوي العلاقة من الخدمات التي يقدمها الجانب الأول وحقهم في الحصول والوصول للمعلومات الصحيحة والحقيقة في الوقت المناسب.
في ظل هذا التوضيح لمعنى الشفافية وفي ظل آلاف المواقع الاليكترونية للجهات الحكومية ما درجة ممارسة الجهات الحكومية للشفافية وهل يتعارض هذا مع أمن المعلومات؟
هذا سيكون له حديث قادم إن شاء الله.