أنهت قمة الرياض الاستثنائية الخلافات الخليجية التي أدت إلى سحب سفراء السعودية، الإمارات، والبحرين من قطر، وتسببت في تعكير صفو الأشقاء وتباعدهم الدبلوماسي لما يقرب من سبعة أشهر، وهي فترة زمنية طويلة ربما أسهمت في خلق الاتفاق.
عندما تصفو النوايا، يبارك الله في العمل، والجهود، وهذا ما حدث في الرياض حين استشعر القادة مسؤولياتهم الجسام، والأمانة التي وضعت في أعناقهم، وأهمية أمن واستقرار دول المجلس، والشعوب الخليجية.
لا خاسر بين الأشقاء في اتفاقهم الأخير، فإصلاح المشكلات الطارئة، ومعالجة الخلافات البينية، تصب في مصلحة الكيان الخليجي، وتزيد من قوته وتماسكه، وهو ما أشار له بيان القمة الذي أكد على أن اتفاق الرياض التكميلي « يصب في وحدة دول المجلس ومصالحها ومستقبل شعوبها، ويُعد إيذاناً بفتح صفحة جديدة ستكون - بإذن الله - مرتكزاً قوياً لدفع مسيرة العمل المشترك والانطلاق بها نحو كيان خليجي قوي ومتماسك».
الأمن والاستقرار هما قاعدة التنمية، وأساس البناء والتطوير.. أزعم أن ما تنعم به دول الخليج من خيرات لم يكن ليتحقق لولا الله أولاً ثم توفر الأمن والاستقرار الذي حرص التكتل الخليجي على تكريسه والمحافظة عليه.. قدر الخليج أن يكون هدفاً للمتآمرين عليه من الداخل والخارج، وأن تحيط به المخاطر من كل جانب، وما لم يتنبه القادة لحجم تلك المخاطر، ومآلات الأمور، ويعملون على مواجهتها ككيان متماسك، ومتحد، فستكون النتائج وخيمة على المنطقتين العربية والخليجية.
عودة السفراء لقطر، هي بداية الاتفاق لا نهايته، ولعلها تكون الجزء الرئيس من المعالجة التي بذل فيها القادة، وفي مقدمهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، جهوداً استثنائية من أجل إنجاحها.. حكمة الملك عبد الله، وجهود زعماء الخليج، واستشعارهم الخطر ساعد في وضع الحلول الناجعة، وتقريب وجهات النظر، وإزالة معوقات عودة السفراء.
«اتفاق الرياض» أشاع جواً من المحبة والتفاؤل في الخليج، وحظي بصدى واسع من ردود الأفعال الإيجابية، الرسمية والشعبية، وكشف عن حجم تعلُّق الخليجيين بمجلسهم ووحدتهم الوطنية.. الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز، أمير المنطقة الشرقية، أشار إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، «يعمل بصمت وبجهد على إبقاء البيت الخليجي بشكله وضوابطه ومبادئه التي قام عليها»، وأكد على قدرته، حفظه الله، وإخوانه من قادة الخليج على معالجة الأمور الطارئة مهما عظمت، وحرصهم على كيان مجلس التعاون الخليجي.
الظروف الدقيقة، والأخطار المحدقة فرضت على الجميع التعامل معها بمسؤولية، وحكمة، ورؤية شاملة تستشعر المآلات، والمتغيرات المستقبلية المؤثرة في أمن واستقرار المنطقة.
قد يفقد الخليج جُل مكاسبه الاقتصادية، وملاءته المالية، وثرواته النفطية في حال التنازع والفرقة، فقوى الشر تتربص بهم المنون، وتسعى بكل ما أُوتيت من قوة إلى افتعال المشكلات، وتعظيم الأخطاء، وغرس بذور الفتنة من أجل شق الصف الخليجي، لضمان التباعد وزعزعة أمن واستقرار المنطقة.
كشف «اتفاق الرياض» عن أصحاب النوايا الخبيثة ممن تمنوا استمرار الجفوة بين الأشقاء، تحقيقاً لأهدافهم الإستراتيجية القائمة على تفتيت المنطقة، وإشعال نار الفتنة فيها، وإضعافها، ومن ثم السيطرة عليها.
الإعلام الإيراني الذي يمثّل وجهة النظر الحكومية، كان أكثر المنزعجين من «اتفاق الرياض»، إضافة إلى الجماعات المتطرفة، والتنظيمات المتأسلمة، التي لا يمكن أن تعيش في الأجواء النقية.. بعض الجماعات الخليجية كانوا ضمن المنزعجين من اتفاق الأشقاء، ما جعلهم يستمرون في نفث سمومهم عبر قنوات التواصل والمحطات الفضائية.
هناك من لا يريد الأمن والخير للخليج، ومنهم الأقربون، الذين تستخدمهم قوى الشر كرأس حربة للطعن في جسد الخليج الواحد.. أُنشيء مجلس التعاون الخليجي ليبقى، بإذن الله، وأثبت خلال مسيرته المباركة أنه البيت الآمن للدول الأعضاء، والمنقذ لهم من المخاطر المحدقة، والداعم التنموي الأول.. وأثبتت المملكة أنها العمق الخليجي الإستراتيجي، الداعمة لوحدة الكيان، واجتماع الكلمة، وخدمة الشعوب.
أحسب أن «اتفاق الرياض» وضع المنهج القويم لمعالجة الأزمة الخليجية، وتجاوزها، بروح الأخوة، والتعاون، وتغليب المصالح العامة الضامنة لأمن واستقرار المنطقة.