سأسرد هنا أسماء وأعمار من قضوا في حادثة الدالوة بالأحساء.. لماذا؟ لأنهم بشر مثلنا. لديهم أمهات سيعشن العمر كله منذ مقتلهم وحتى يمتن وهن يتذكرن أطفالهن الذين قتلوا دون سبب. لديهم أصدقاء لن يناموا من الخوف وسيظلون يطرحون الأسئلة المخيفة: لماذا قتل أصدقاؤنا دون سبب؟
لديهم إخوة سيظلون دائما متأزمين نفسياً لفقد إخوتهم وأحبابهم وربما يتولد لديهم شعور بالرغبة في الانتقام فمن يلومهم؟
هل فكر القاتل في كل هذه العوامل الإنسانية قبل أن يقدم على القتل؟؟. من أهم العوامل التي وجدها الباحثون والتي تساعد القاتل على القتل هو تجريد ضحيته من بعدها الإنساني وهذا ما فعل قتلة الأحساء.
ضحايا الأحساء سبعة وكلهم أطفال ومراهقين ماعدا واحد؟ أسماؤهم كالآتي:
محمد عبدالله المشرف «35 عاماً»- متزوج ولديه 3 بنات وابن واحد، ويعمل في الحرس الوطني.
- مهدي عيد صالح المشرف «10 سنوات»ـ طالب في المرحلة الابتدائيةـ.
- حسن حسين العلي «14 سنة»ـ طالب في المرحلة المتوسطةـ.
- زهير الشيخ حبيب المطاوعة «17 سنة»ـ طالب في المرحلة الثانوية..
- عبدالله محمد عبدالله اليوسف «13 سنة»ـ طالب في المرحلة المتوسطةـ
- محمد حسين البصراوي «16 سنة»ـ طالب في المرحلة الثانويةـ
- عبدالله حسين المطاوعة «14 عاماً»ـ طالب في المرحلة المتوسطةـ
ومن قوات الأمن أعانهم الله وقدرهم على مهماتهم الصعبة فقد فقدنا شهداء الوطن التالية أسماؤهم:
النقيب محمد حمد العنزي
العريف تركي بن رشيد الرشيد
هذا يعني أن القتلة قصدوا القتل لفعل القتل نفسه ولأكبر عدد من الشيعة وليس لاستهداف عناصر معينة تحمل فكراً مضاداً لجماعة سياسية أو دينية.. وهذا في الحقيقة ما يخيف. مخيف أن نفكر في إعدام المستقبل عبر قتل أطفال لم يتجاوزوا العاشرة ومخيف لأن القتل أصبح كما في لبنان مثلاً على الهوية والمذهب. القتلة حاولوا اقتحام مقر النساء وبرحمة من الله ولطف منه أن ألهم هؤلاء النسوة أن يتحصن خلف الأبواب فمنعن وقوع مجزرة مخيفة في سماء القطيف. نعم إحدى الصغيرات أصابتها طلقات طائشة لرجال فتنوا بالقتل لكنها لا زالت على قيد الحياة والحمد لله.
السؤال الآن: كيف نواجه هذا التيار البشع؟
هو ليس منا بالتأكيد فقد نشأنا لا نعرف أن هذا سني أو شيعي..كلنا لهذا الوطن.. حتى جاءت التيارات المتشددة في العشرين سنة الأخيرة لتبذر حصادها المخيف بين طلاب مدارسنا فيتخرج هؤلاء القتلة والداعشيون الذين هم في النهاية أبناؤنا وبنو عشيرتنا رضينا أم أبينا لذا فالسؤال هو كيف نحمي البقية؟
أتفهم أننا جميعا قلقون مما يحدث ولا أشك أبدا في أننا جميعا نبحث عن أجوبة وحلول عملية وأحيانا سريعة لمواجهة الموقف المخيف حتى لا يتسع (لنتذكر أن الاتحاد الذي أظهره غالبية الشعب السعودي ضد الهجمة الطائفية مؤشر ممتاز على أن هذه الطائفية البغيضة لا زالت وفي العمق الأساسي لهذه الأمة شيء بغيض ومكروه وعلى الآفل لا نرغب في سماع صوته عاليا كما حدث في الأحساء).
هل هذا يعني أنها لا تحدث على مستوياتنا الصغيرة والفردية وربما حتى في ممارساتنا داخل مؤسسات عملنا الحكومية والخاصة؟
غير صحيح فجذورها للأسف هناك فنحن على المستوى الفردي ورغم استنكارنا الكبير والصادق بلا شك للحادثة إلا أننا لا نتوانى عن مساعدة قريب أو صديق والتوسط له مثلا للحصول على مقعد في جامعة أو وظيفة حتى لو كنا نعرف أنه سيأخذها ممن يستحقها. المؤسسات تمتلئ بالتحزبات القبلية والمناطقية البغيضة والتي تمتد حتى للشارع حيث أنت مغفور الأخطاء إذا صادفك رجل أمن من منطقتك أو قبيلتك.. كما يشفع لك ما تفعله في مدرستك إذا صادفك مدرس من قبيلتك... وهكذا تنتشر السلوكيات والمشاعر الفردية لتصبح سلوكاً جمعياً يؤطر لمشاكل أخطر تنتقل من بعد للصغار ثم يأتي المد الأيدلوجي ليدعم ويبرر وجودها على المستوى الوطني بما يحمل المراهقين لقتل أنفسهم دفاعا عن فكرة باطلة.
ماذا علينا أن نفعل إذن؟
أولا محاربة الفكر الطائفي. لكن هو موجود فماذا نفعل؟ نستبدله بفكر آخر جماعي.. فكر وطني فقبل أن تعمل لقبيلتك أو طائفتك لتعمل لأجل الوطن.. لنجعل الشعار بدءا من الكبير وحتى الصغير أن الوطن ثم الوطن هو أولا وقبل كل شيء.
ثانيا: لنقف جميعاً ضد رموز وشخوص الطائفية فمن يروج للطائفية شخصا أو مؤسسة أو قناة أو صحيفة أو حتى كرموز تاريخية فلا مكان له بيننا. هذا يجب أن يكون مبدأ عاما نلتزم به في مؤسساتنا وخاصة التعليمية منها والأكاديمية وطبعا السياسية.
يلي ذلك الخطوة الطبيعية وهي إيجاد القوانين التي تكفل ملاحقة ممارسات الطائفية في المؤسسات بحيث يحق لأي من كان أن يصرخ بأعلى صوته حين يحرم من حقه في أن يحصل على موقع أو عمل أو منحة أو كرسي مدرسي بسبب عوامل طائفية ولن يتحقق ذلك إلا حين يكون صوت القانون هو الأقوى وحين يكون لدينا من الشفافية في مراقبة أنفسنا ومؤسساتنا ما يؤهلنا لأن نكون من سكان القرن الواحد والعشرين.