لا بأس أن تكون إحدى الدول قادرة على الوساطة بين دولتين تشكل العداوة بينهما قلقاً وتهديداً للمنطقة والمنظومة الإقليمية التي تضم تلك الدولة، ولهذا فعلى العكس مما يعتقده كثيرون، فإن ما تقوم به سلطنة عمان من وساطة بين إيران والغرب عموماً وبالتحديد بين واشنطن وطهران مرحب به في المنطقة العربية وبالذات في دول مجلس التعاون، فالخلافات بين إيران وأمريكا والتي وصلت إلى التهديد مراراً بالحرب وبإغلاق مضيق هرمز، يعد عاملاً إيجابياً لتخفيف التوتر في الخليج العربي.
سلطنة عمان دولة مقبولة من كلا الطرفين وبالذات إيران التي ترى في العمانيين وسطاء مقبولين لمعرفتها بالالتزام الصارم للمسؤولين العمانيين وأنهم يحسنون لعب أدوار الوساطة فلا رغبة لديهم للعب دور أكبر من حجمهم ولا رغبة لديهم كعادتهم في الكشف عما يدور داخل قاعات التفاوض فمن طباعهم الإنصات جيداً وعدم الحديث، وهو ما يحتاجه الأمريكيون والإيرانيون على حدٍ سواء، إذ يرغبون في إنجاز تفاهماتهما ومقايضاتهما دون تسربها خارج مكان التفاوض، كما أن الطرف الوسيط لا مصلحة له فيما يجري سوى إبعاد بلاده ومنطقته عن دائرة التوترات وقلق الحروب، وسلطنة عمان لها مصلحة واحدة وهي جعل منطقة الخليج العربي منطقة هادئة بعيدة عن الحروب والمواجهات، وبالذات مضيق هرمز الذي تشرف عليه السلطة ومن مهامها الأمنية الإبقاء عليه مفتوحاً للعبور الآمن لناقلات البترول والبضائع التي تستعمل الخليج العربي، وهذه المصلحة تجعل سلطنة عمان مهتمة بتبريد التوتر بين الطرفين اللذين اقتربا كثيراً فيما سبق من الصدام العسكري كان سيؤدي إلى إغلاق الممر أمام استعمال السفن والناقلات. ولذلك فإن الوساطة تتوافق مع المصالح الأمنية والاستراتيجية وأيضاً مع مصالح منظومة دول مجلس التعاون التي تشكل سلطنة عمان إحدى إعضائها، ولذا فإن وساطتها إضافة لدورها الهادئ والذي إن لم يفهم من بعض الأطراف فذلك لأن العمانيين يفضلون العمل على الكلام.
العُمانيون ينتظرهم دور آخر هو تفعيل العمل لتخفيف التوتر بين إيران ودول الخليج العربية، فلا أحد يستطيع أن يخفي القلق والغضب لدى دول الخليج العربية من الأدوار السلبية التي يقوم بها النظام الإيراني في المنطقة، وبالتحديد في دول الخليج العربية والدول المجاورة لها، فالإيرانيون يحركون أحزاباً ومليشيات مرتبطة بهم لنشر الفتن والقلاقل، والعمانيون يعرفون حجم المخاطر التي تسبب بها أفعال الإيرانيين هذه، ولذلك فإن نجاح أي وساطة بين الإيرانيين والخليجيين تبدأ في إفهام الإيرانيين بوقف تدخلاتهم في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربية، وإذا كان الإيرانيون يبررون أفعالهم هذه بدعمهم لطائفة يرونها أقرب إليهم من نسيجهم الوطني وأنهم يساعدونهم لرفع الظلم عنهم والذي لا يراه أحد إلا الإيرانيون فإنهم بذلك يشرعون للآخرين المتضررين ويفتحون الطريق إليهم للتدخل في الشأن الإيراني، خاصة وأن الظلم الذي تعاني منه الشعوب الإيرانية أكبر من أن يغطى، وأن تلك الشعوب المضطهدة والمظلومة تربطها بالدول المتضررة من أعمال النظام الإيراني لها في العلاقات والروابط الوشيجة مثلما أو أكثر من ادعاء النظام الإيراني بعلاقتها من الجماعات التي تحرضها في الدول العربية، على العمانيين أن يزيلوا الغمامة عن عيون مسؤولي النظام الإيراني ويفهمونهم بأن امتناع العرب والخليجيين بالذات عن دعم المضطهدين والمظلومين داخل إيران لن يستمر، وعليهم أن يفهموا بأن العرب تردد دائماً بأن للصبر حدوداً... وأن صبر العرب يكاد ينفد، وعندها إذا ما تحركوا فلهم أدواتهم ووسائلهم التي تفوق قدرات نظام إيران ولهم امتدادات داخل إيران تفوق بكثير ما حركه الإيرانيون داخل المنطقة.