الرد الأمني السريع لجريمة «الدالوة» الإرهابية يُظهر قدرة وجاهزية الأجهزة الأمنية في مواجهة المخططات الإرهابية التي يجب أن نعلم بأنها موجّهة بكثافة نحو بلادنا، لهذا فإن الأجهزة الأمنية وقياداتها والإدارات المختصة أكدت عبر هذه الحادثة بأنها يقظة وقادرة على مواجهة هذه المخططات، بل وإحباطها والاستعداد التام للقبض والقضاء على مرتكبيها.
الرد السريع والنتائج الجيدة التي حققتها الأجهزة الأمنية من حيث وقت القبض على مرتكبيها وتتبعهم إلى المدن التي فرَّوا إليها، أثار التفاؤل لدى السعوديين جميعاً بأن بلادهم ولله الحمد في أمان ومحصّنة برجالها الأوفياء، إلا أنه وفي الوقت نفسه يدق جرس الإنذار والحذر والحرص ليس لدى الأجهزة الأمنية فقط، فهي استعدت منذ وقت طويل، ولكن المطلوب من الجميع مواجهة قادم الأيام للتصدي لمخططات الأعداء، فالأمر ليس مقصوراً على الأجهزة الأمنية وعلى أجهزة الدولة المتخصصة، بل يشمل الجميع بدءاً من المواطن نفسه، ومن داخل الأسرة التي عليها واجب تصويب أعمال وسلوك أبنائها، والتحرك والعمل عندما يشعرون بانحراف أو تغيُّر سلوك أحد أبنائهم، وإذا لم يجدِ النصح والزجر فلا بأس من إبلاغ الجهات المختصة لدرء الخطر عن الشخص المنحرف، حتى لا يذهب بعيداً في غيه وأن تحصّن الأسرة أبناءها وتعيدهم للصواب بمساعدة أجهزة الدولة، فالذي حصل في «الدالوة» لم يكن حادثاً عادياً، ولا محاولة لإثارة الفتنة فقط، بل هو مخطط كبير لإشعال حريق في بلادنا يبدأ من منطقة عُرف أهلها بالتسامح والمحبة، فالأحساء التي تُعتبر قرية «الدالوة» إحدى قراها النائية إلى حدٍ ما، وأهلها جميعاً متسامحون اعتادوا أداء مشاعرهم الدينية دون عناء ولا اعتراض، ويتجاور في المنطقة المسجد والحسينية، كما أن الأحساء يتجانس أهلها في تعددية مذهبية يندر أن تجدها في مناطق وحتى في دول أخرى، ففي الأحساء تجد الحنبلي والشافعي والحنفي والمالكي إضافة إلى الجعفري، ومع هذا لا تجد فرقة ولا تعارضاً ولا تنابزاً، وقد تميزت الأحساء بهذه التعددية المذهبية، مما جعل كثيراً من المدارس الفقهية تزدهر في هذه المنطقة، واختيار إحدى مدنها النائية والبعيدة عن المركز هدفه إشعال حريق مذهبي يهدفون إلى انتشاره إلى باقي أرجاء المنطقة ثم توسيع مساحته إلى باقي مناطق المملكة، ومع نوعية المكان، ركّزوا على رمزية الزمان فتوقيت تنفيذ الجريمة الإرهابية بليلة العاشر من محرم «عاشوراء» لها دلالتها الزمنية لتتوافق مع الدلالة المكانية حتى تكتمل جريمة إرهاب الفتنة الطائفية.
إلا أن سرعة القبض على المجرمين مرتكبي هذه الجريمة وسرعة ويقظة الأجهزة الأمنية عجّل بدحر الإرهابيين وردّ إجرامهم مدحورين دائماً - إن شاء الله -، وسيكون على أجهزة التحقيق واجب الكشف عن الجهات المحرضة والمحركة لهؤلاء المجرمين، فلا يكفي القول إنهم فئة من حاملي الفكر الضال، بل تحديد الجهات التي تحركهم ويعملون بأوامر منها، وأن يتم إيقاع القصاص العادل بهم وبكل كل من تسوِّل له نفسه نشر الفتنة وإشعال الحرائق الطائفية في ربوع بلادنا أياً كان ومن أي جهة، وألا تتردد في تنفيذ ما يصدره القضاء من أحكام ليكون ذلك رادعاً وزاجراً لكل إرهابي أثيم.