افزعوا للفزعة ولزمنكم...!!

قال لي الصغير وهو يركض نحو قطته بأنه «سيفزع» لها لتتخطى سياج الياسمينة نحو نافذته,..

وفي موقف آخر سألني ذاته أن أفزع له فأشرح جملة في كتابه استعصى عليه فهم دلالاتها..!!

وضعت كلمة «الفزعة» بين قوسين في ذاكرتي..,

استعدتها معنى وموقفا.., وإجراءتها تماماً كما يستعاد اللفظ في القاموس..

ولم تكن الكلمة تخلو من مرجعية اجتماعية، إذ دأبت نخوة الناس عليها..,

تتعامل مع «الفزعة» بنبل, وإيثار.., ودافعية للجار، وللمرأة، وللطفل, وللمريض, وللفرِح, وبين الإخوان, والمعارف, والأصدقاء,.. دون تردد، وفي أي الأوقات, مصدرها عصبة الأخلاق التي رُبِّيَ عليها الفرد, وتعاهدتها عليها الجماعات، في الحارة, والجيرة, والشارع, والعمل, والأسرة, والقربى, والصداقة, والزمالة..

فما إن تلم بأحدهم ضائقة، أو حاجة، وما أن يفرحوا، إلا يتسابق كل ليقدم فزعته, بالمال, والجهد، والتعاون, والمواساة، والمشاركة..!

ولم تقف»الفزعة» عند العلاقات الأسرية، والاجتماعية في شئون الحياة، بل امتدت ليفزع الناس بدمائهم عند حاجة مريض, ومن ثم بأعضائهم عند حاجة من يحتاج منهم لعضو في جسده..,

ولا تقف «الفزعة» عند تقديم عضو لمن هو حي, بل بالغت «الفزعة» في قيمتها, وقوتها ومبادرتها, لتكون حاضرة بعد الوفاة حين يفضي أحدهم بأعضائه لمن يحتاج إليها حين تصمت الحياة فيه..

واتسعت «الفزعة» لتكون في الرأي، وفي الفكر.., وفي الموقف, ولعل ما يقال «أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب» في القول الشائع هو شرح دقيق «للفزعة» في أبعد مواقفها قوة وأثرا ومبادرة.., بعد أن كانت باليد، وقوة الجسد, والمال, والموقف,

أصبحت بالكلمة..!.. مع أنها هنا تنحو نشازاً, وتصبح وبالاً..

إذ من جراء «الفزعات» الإيجابية انبثقت فزعات سالبة, جاءت مع كل متغير دخل في حياة الناس، وغيَّر في, ومن قيمهم وأخلاقهم لتغير الوجه الجميل «للفزعة»، فأصبت بابا للخلاف, وحافزاً للظلم, ودافعاً لتشويه نقاء التعاضد..

فمن يقرأ «الوسوم» التي ينشئها القراء في أحدث وسائل التواصل بينهم، تجدهم يفزعون سراعاً يهرفون بما لا يعرفون، ويسيئون لمن لا يعرفون, ويفزعون مع كل من يطرق باباً، أو يورد خبراً, أو يعقب على حدث.., أو يرد مورداً نتناً..!

فحتى « الفزعة» النبيلة فقدت نبلها مع فقد كثير من معاني النبل في سلوك الناس عامة..,

مما يدعو لأن يقال لهؤلاء:

افزعوا «للفزعة» ذاتها..,

انتشلوها من المستنقع...,

لتعود لمجراها النبيل في العلاقات الجميلة، في «الزمن الجميل»...

ليكون لهذا الزمن جماله، ولو بنكهة أخرى..!!