يتمتع فئة من الناس بالقدرة على التأثير وتغيير حياة آخرين من الناس، ويختلف التأثير بطبيعة الحالة، ومصدر القدرة على التأثير. فقد يكون مصدر هذه القدرة بلاغة لسان وقوة منطق؛ فيصبح التأثير عقلياً يستتبعه تغيير في السلوك والمنهج والمعتقد، أو يكون وجاهة ومقاماً اجتماعياً؛ فيصبح التأثير اقتداء وتتبعاً، أو يكون سلطة ونفوذاً؛ فيصبح التأثير تغييراً في الحال والوظيفة والمكانة في المجتمع، أو يكون ثروة ومالاً؛ فيكون التأثير تمكيناً وتحسيناً للمعيشة. وتغيير حياة الناس يحدث كل يوم؛ فكل يوم تتغير حياة إنسان بفعل إنسان آخر. والتغيير يحدث في اتجاه من اثنين، إما إيجابياً؛ يجلب السعادة والمتعة للمتغير، أو سلبياً؛ يجلب الحزن والكآبة.. وشتان بين الاتجاهَيْن.
الناس الذين تركوا بيوتهم وأهليهم وأعمالهم أو وظائفهم، وذهبوا للانضمام لكتائب المنظمات الإرهابية، هم ضحية عملية تغيير لحياتهم، تمت بأدلجة عقولهم، والسيطرة على قراراتهم بعبارات ظاهرها مقنع، وباطنها مضمن رسالة توجيهية، لها غاية تخدم أغراضاً مشبوهة. هذا التغيير لحياتهم جالب للأسى والكآبة لمن تركوهم خلفهم، فقداناً لهم وحزناً على مآلهم، وجالب للموت والعذاب والقهر والإذلال لمن سيكونون ضحاياهم في إرهابهم. ولأن مآلهم عاجلاً أو آجلاً مماثل لمآل ضحاياهم فذلك خسران للحياة، ومواجهة لحساب عسير عند باني السماوات.
من يعمل على تغيير حياة شباب صغار ليقذفهم في أتون الإرهاب لا يستحق العيش براحة وكرامة بين الناس؛ ففساده أكثر من إصلاحه، وحماية الناس منه واجبة بعزله عنهم، وتضييق حريته حتى يتوب من أدلجته. هذا المؤدلج اختار أن يكون تأثيره سلبياً على المجتمع؛ فأصبح من شر البرية.
ومن خير البرية من جعل تأثيره وتغييره للناس جالباً لسعادتهم ومسهلاً لمعيشتهم ومحسناً حياتهم. مثال ذلك فئة من أهل الخير في (بريدة) القصيم، قاموا بتأسيس مستودع خيري (مستودع الشماس الخيري)، تشرف عليه جمعية البر الخيرية ببريدة، وجعلوا رسالتهم تغيير حياة المحتاج لخدماتهم للأحسن، فيسروا للبعض القروض الصغيرة التي مكّنتهم من تجارة أو مهنة، وأصبحت مدرة لدخل ثابت ومتزايد. وعندما أدركوا أن هناك عائقاً مهارياً لكثير من المهن والوظائف سعوا لتأسيس معهد تدريب خيري (معهد الشماس الخيري للتدريب)، يدرب المستفيدين بالمجان؛ فأصبح المعهد مرتاداً لكل صاحب حاجة يروم أن تتغير حياته للأفضل. وبفضل هذه الجهود المباركة تغيرت حياة أناس كثيرة، وباتوا بعد العوز والفاقة في نعيم الرزق الحلال والكد الشريف.
نحن في بلادنا بحاجة لمزيد من الناس الذين يغيرون حياة غيرهم للأفضل. وكل مواطن قادر على أن يغير حياة مواطن آخر ولو بالحد الأدنى، وهو دعم الجهود التي ترمي لنفع الناس جميعاً. والدعم يكون معنوياً أو مادياً أو عينياً. فالواجب أن تذهب تلك الطاقة الإيمانية والحماس لتقوية الأمة إلى جهود خير، تبني ولا تهدم، تعمر ولا تدمر، تحفظ الحياة ولا تبيدها.. فطوبى لكل من جعل فعل الخير ومساعدة الناس وتغيير حياتهم للأفضل مسعاه ونشاطه.