منذ الأزل والإرهاب بمعنى (خلق الهلع) في قلوب الناس، من قِبل جماعات خارجة عن سلطة القانون، وسلطة العقل والمنطق يصول ثم يزول، يصول عندما تتوافر ظروف سياسية واجتماعية، واستعداد اجتماعي لأدلجة مسلّمات بتضمينها معاني جديد تقود للتطرف ثم اعتناق فكرة العداء لفئة اجتماعية من مكونات المجتمع، أو ممارسة سلوك اجتماعي، حيث يبيح المتطرف لنفسه القتل والتعذيب والتشريد لأعدائه أو ممارسي السلوكيات التي يحرمها، وليس شرطاً أن يكون الإرهابي مناضلاً لسيادة منهج ديني، فمعظم الإرهابيين على مر التاريخ كانوا طلاب سلطة، منهم من أدلج مسلّمة قومية وعليها اتكأ، فقاد تطهيراً عنصرياً لغير جلدته، ومنهم من أدلج معطيات فلسفية، فقاد حركة قتل ونهب لتحقيق تلك المعطيات، وهناك من تسلح بتفسيرات معوجة لنصوص دينية فركِبها لشن إرهاب على كل من يختلف معه، ومعظم الإرهابيين على مر التاريخ يبحثون في تراثهم أو تاريخهم على ما يمكن توظيفه لأدلجة فئة متحمسة وناقصة التفكير والتدبير لتجنيدهم كعناصر تنفيذية للفكر الإرهابي.
القاعدة وداعش والنصرة وحزب الله وجند الله وأسماء أخرى لا يكاد يأفل نجم أحدها إلا ويظهر آخر، هي إفرازات لواقع المسلمين، والذي يمثّل حقبة زمنية ينشط خلالها المسلمون للانعتاق من الهيمنة الغربية على سياساتهم واقتصاداتهم التي خلفها الاستعمار وذلك بصورة عامة بغض النظر عن طوائفهم ومذاهبهم، وهي أيضاً نتيجة أدلجة مسلّمات يعتقد المسلمون بمضامين لها تختلف بين طوائفهم وأزمانهم لم تحسم مشروعيتها أو دلالتها الظرفية بصورة مشتركة، مثل (الردة) و(الجهاد) و(التكفير) و(الحاكمية والخلافة) و(الولاء والبراء) و(العذر بالجهالة)، هذه المسلّمات هي أكثر المرتكزات الفكرية للمنظمات الإرهابية والتي ترفع هوية إسلامية، فتجد هذه المنظمات في هذه المسلّمات مشروعية قيامها، ويعتمد عليها مفتو تلك المنظمات ومبررو نشاطاتها وتصرفاتها، فهي تقتل بفتوى الردة من يختلف مع مشروعها الطائفي حتى ولو كان اختلاف فروع، وتقتل باسم الجهاد المخالف حتى ولو كان مسلماً ينتمي لمذهب آخر وتشرع السبي وسلب الأموال لنفس السبب، وتكفر هذه المنظمات كل من يعترض طريقتها أو ينتقد رموزها، وتشق عصا الطاعة على الولاية الشرعية بحجة سقوط الحاكمية التي لا تؤدي لقيام الخلافة الإسلامية.
هذه المنظمات الإرهابية أيضاً تقوم وتنشط بمعونات سرية من منظمات مشبوهة، ودعم دول لها أطماع سياسية أو اقتصادية، فمنطقتنا العربية تمثّل بؤرة صراع حضاري أزلي بين الشرق والغرب، هذا الصراع ضارب في عمق التاريخ منذ صراع حضارات وادي الرافدين والهلال الخصيب ووادي النيل وصراع الفرس والروم وقيام دولة الإسلام على أنقاض ذلك الصراع، فكل من يرث مشروع تلك الحضارات الفكري يبحث عن دور في منطقتنا، ولن يستطيع ذلك ما لم يحدث فيها خلل يستنبت ذلك الدور، هذا إلى جانب أن المنطقة العربية هي مفتاح المستقبل في صلة الشرق النامي بالغرب المهيمين، لذا تجتهد الدول التي تخطط لمستقبل فاعل في التجارة والسيادة العالمية ليكون لها دورٌ مؤثرٌ في صنع سياسات واقتصاد منطقتنا العربية.
اليوم، ونحن أمام حملة دولية لتحجيم داعش والقضاء عليها وتمكين القوى الشرعية من زمام أمور بلادها، يجب علينا أن نعي التحديات التي تواجه دول المنطقة، ويجب أن نعمل على فهم دوافع قيام هذه المنظمات الإرهابية، والعمل من منطلق (الوقاية خير من العلاج) فتكلفة القضاء على هذه المنظمات بعد قيامها مرهق على كل صعيد، لذا لا بد أن تعمل الحكومات التي تنبت في أراضيها هذه المنظمات على السيطرة الإدارية العادلة والواعية لكيانها وأن تنبذ الطائفية والفئوية وتتعامل مع شعوبها على أساس الحقوق والواجبات المشتركة. هذا بحد ذاته كفيل باصطفاف الشعوب مع حكوماتهم للحفاظ على أمنهم وكرامتهم.