بعض المفردات في اللغة حين ترتبط بمفهوم مُحدد يُنسى معناها الأصيل التي تشير إليه مباشرة. هذه العلاقة المنطقية بين الدال والمدلول يمكن لها أن تتغير مع مرور الزمن حين تلتحم بمفهوم محدد يُكرَّس بفعل فاعل. ومنه مصطلح «الإرهاب». ورغم أن محاولة تحديد مفهومه يعتبر أمراً جدلياً إلا أن المحاولات جميعاً تلتقي في معنى شبيه بالمفهوم الذي وضعته المنظمات الدولية كالأمم المتحدة الذي يدور حول العنف المنظم لأجل الوصول لغايات سياسية عن طريق أعمال جنائية كالاغتيال والتعذيب وبث القنابل والعبوات الناسفة واختطاف الرهائن ووسائل النقل وغيرها. لكن حتى بعد محاولات عدة لتحديد مفهوم الإرهاب يبقى تحديد» الإرهابي» إشكالية جوهرية تتباين حسب الثقافة والخلفية الدينية والفلسفية. فـ(مقاوم أو ثائر) أحد المسميات الممكنة لمن يصفه إعلام سياسي لإرهابي ما.. يقول الناقد الأمريكي مايكل بارينتي في كتابه اختراع أو فبركة الحقيقة: إن تحديد من هو إرهابي ومن ليس إرهابياً تقرره سياسة وسيلة الإعلام التي تصفه، فحرب العصابات الشعبية تصفها وسائل الإعلام الغربية عادة بالإرهابية، بينما يوصف المرتزقة في أنغولا ونيكارغوا وموزمبيق مما توظفهم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بالثوار». لذا تحديد الإرهاب ما زال دولياً يُعد حكماً غير دقيق أو متلون حسب المصالح السياسية، فكيف بتحديد المفهوم حسب ثقافة جماعات وأقليات تطغى عليها العاطفة والتغييب الإيديولوجي للأحكام المنصفة على أفرادها النازعين للعنف فعلياً أو تعبوياً من أجل تحقيق مطالب شعبية؟.. يمكنني بعد هذا السؤال أن انتقل بسلاسة لعنوان آخر وهو (العنف الشيعي والصمت المطبق حياله من أعيانه البارزة). وذلك بالعودة لمفردة «الإرهاب» لأنها حين تُستحضر في العرف العام لدى عموم الشيعة تستجلب معها صور مفخخات وانتحاريين يفجرون أنفسهم في مناطق ومحافل الشيعة، هذا وهذا فقط! فيما عدا ذلك هَبهُ أي اسم آخر غير أن يكون إرهاباً. مقاومة مثلاً، ثورة شعبية مثلاً حتى لو راح ضحيته «رجال أمن (العوامية)، أطفال ومدنيين عزل (حزب الله في سوريا) مصلين في المسجد (مليشيات شيعية في العراق)»! وهنا تقفز العبارة التاريخية» قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار» لتحدد من هو الإرهابي ومن هو المقاوم حسب إيديولوجيا دينية تختطف الخير وتحتكر صواب الدوافع لها.. من أجل مثال آخر لنتجه شرقاً أكثر.. للعراق وفتوى المرجع الأعلى السستاني في ما سماه الجهاد لحماية المقدسات. هل يمكننا أن نغير عبارة «جهاد» لـ»إرهاب» حسب تعريف ريغان وشولتز للإرهاب بأنه «الاستخدام المحسوب للعنف، أو التهديد بالعنف للوصول إلى أهداف ذات طبيعة سياسية أو دينية أو أيديولوجية» أترك الإجابة لكم!.
إن عملية حلحلة الأفكار التقليدية تستلزم عمراً وضحايا ومتهمون في نزاهتهم ونواياهم، لأنك حين تتحاور مع عامة الشيعة عن الإرهاب في الحالة الشيعية سوف تسمع مباشرة وبشكل اوتوماتيكي مبرمج: « هل لدينا مفخخات وانتحاريين»؟.. مما يجعل استكمال حوار مشترك عن الإرهاب مع غالبية الشيعة مستحيلاً دون التوصل لعدة اتفاقات:
1- إن المعنى الابتدائي للإرهاب بعيداً عن التعريفات الدولية والسياسية هو بث الرعب والخوف والإفزاع {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (116) سورة الأعراف,
2- ليس بالضرورة أن يكون الفعل مسلحاً، فهناك إرهاب فكري، اجتماعي وعدمي وإيديولوجي وغيره، يكفي وقوع الخوف والفزع والرعب والاضطراب على «بريء» لأن يسمى إرهاباً..
3- ليس الإرهاب مقتصراً على حكومة أو جماعات محددة دون غيرها. وأنه يمكن أن يكون فردياً أيضاً ضد جماعة أو حكومات.
4- تحديد الهدف من العنف، يجعله يندرج تحت تعريف الإرهاب، سواء كان الهدف ديني أو إيديولوجي أو سياسي أو اجتماعي.. بافتراض تم الاتفاق على مفهوم مشترك للإرهاب هل سيتمر الصمت الشيعي على ما يندرج تحت مسمى الإرهاب سواء الاجتماعي (تكفير، لعن، أقصاء، نبذ، شتم) (نحو الآخر) أو السياسي (نحو أمن الدول)؟.