لم يكن قرار اعتراف السويد بدولة فلسطين قراراً مفاجئاً؛ فقد أعلنت نيتها عن ذلك قبل شهر، وقد اعتبرت أمريكا ذلك القرار سابقاً لأوانه، لكن السويد فعلتها، وأعلنت اعترافها رسمياً الخميس الماضي، في خطوة جريئة وشجاعة؛ لتصبح بذلك أول دولة أوروبية، تعد عضواً في الاتحاد الأوروبي، تعترف بدولة فلسطين، وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم!
هذا الاعتراف الذي جاء بعد اعتراف البرازيل والأرجنتين ودول أخرى في أمريكا الجنوبية سيتبعه حتماً اعترافات أخرى جديدة في أوروبا؛ إذ من المتوقع أن تبادر فرنسا بذلك، بينما مجلس العموم البريطاني صوّت الشهر الحالي بأغلبية كاسحة لصالح مذكرة تطالب الحكومة البريطانية بالاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة!
هل هذا القرار التاريخي الشجاع سيمر مرور الكرام دون معارضة وإدانة؟ بالتأكيد لا، ليس خارج السويد فحسب، وإنما من داخل السويد، ومن أحزاب مختلفة؛ ففي حين اعتبر رئيس حزب الشعب هذا القرار تصرفاً متهوّراً وغير متوازن، كما أنه عومل بطريقة خرقاء، جاء صوت رئيسة حزب الوسط محذراً بأن هذا التصرف يشبه ما يفعله فيل في مصنع للخزف!
ولا أعرف أي خزف تقصد؟ وأي فيل؟ وما إذا كان ثمة فيل أهوج في هذا العالم غير الآلة العسكرية الإسرائيلية العمياء؟ وما إذا كان ثمة خزف تحطم وتفتت كالأطفال الفلسطينيين، منذ مذبحة دير ياسين حتى غزة الأخيرة؟
كان من الطبيعي أن تبادر إسرائيل إلى الاحتجاج، ووصف القرار بالمؤسف، وتستدعي سفيرها في السويد، وكل ما تستطيع فعله، لكن الأمر يسير قدماً، فمن كان يتوقع أن يكتسح التصويت مجلس العموم البريطاني لصالح الاعتراف بدولة فلسطين، في بلاد كانت سبباً في غرس هذا العضو الغريب في جسد العالم العربي!
ولا شك أن هذا الاعتراف الجريء، الذي يمنح الفلسطينيين حق تقرير مصيرهم، والذي يأمل بخطوات جريئة ومسؤولة من دول أوروبية أخرى، يهدف في جوهره للضغط على إسرائيل، وإحياء عملية السلام، بعد منح فلسطين حقها كدولة في المناطق المحتلة أثناء حرب 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا يعني تحقيق مكاسب سياسية رائعة في المنطقة المحتقنة منذ أكثر من نصف قرن من الزمان!
يبقى الدور الأهم على الحكومة الفلسطينية في كسب مزيد من الاعترافات على الصعيد الأوروبي، التي تحتاج إلى عمل سياسي دبلوماسي جاد؛ لكي يكون التفاوض بعد ذلك بين طرفين متكافئين فعلاً، طرف يمتلك بطش الآلة العسكرية، وطرف يمتلك عدالة العالم النزيه، بحيث يحصل الفلسطينيون على حقوقهم وأراضيهم ما قبل 67 بالعمل السياسي والاعتراف بدولتهم أكثر مما لم يحصلوا عليه بالحروب والصراعات التي استلبت السلام من هذه المنطقة الحيوية: منطقة الشرق الأوسط!
ماذا يقول المرء لدولة مسؤولة وشجاعة كالسويد، ولكل النزهاء في العالم، بالذات ممن صوّت لصالح الاعتراف بدولة فلسطين، سواء في البرلمان البريطاني أو غيره، ماذا يقول المرء لهؤلاء سوى: شكرًا، لقد أيقظتم ضمائركم أخيراً!