إن البحوث المتعلقة بالفنون والعلوم الإنسانية صاحبها رغبة الإنسان في استكشاف البيئة التي يعيش فيها وفهم الأحداث المحيطة به، فقد ظل الأدب لقرون عديدة، أحد أهم أشكال التعبير الإنساني عن مجمل أفكار الإنسان وانفعالاته ومعتقداته، وخواطره وعواطفه، وسيبقى الأدب دائماً مصدر إضاءةٍ وتنويرٍ للمجتمعات، وكما قيل الشعر ديوان العرب، وكذلك يجب أن تكون السينما مصدر إضاءةٍ وتنويرٍ، وجزءاً لا يتجزأ من الأدب، والسينما لا تقتصر على السرد القصصي كما في الأدب، وإنما تزيد عليه بمتعة الصوت والصورة عندما تكون معززة بمؤثرات سمعية وبصرية ساحرة تجذب الحواس وتأسر الخيال، والسينما اليوم تتطور بوتيرة سريعة لأنها مرتبطة بالتقنية، وهي بمثابة مرآة تعكس أبعاد التجربة الإنسانية في العصر الحديث، فعندما نشاهد العرض السينمائي، فإن التجربة الحسية بالصوت والصورة والمؤثرات الفنية ربما تكون مكررة، ولكن التجربة الذهنية خلال العرض السينمائي وبعد مشاهدته، قد تؤثر وتغير من أفكارالمشاهدين تجاه الموضوع في العرض السينمائي.
ومن هذا المنطلق، فإن السينما يجب أن تجمع بين الأصالة والحداثة، ويمكن أن تُوظف السينما لتوثيق الأحداث التاريخية، والمحافظة على التراث وصيانته، كما يمكن توظيفها للمساهمة في صياغة المستقبل وتطويره من خلال أفلام الخيال العلمي. ومن العدل والإنصاف ألّا ننظر إلى السينما كموضوع واحد، وإنما ننظر إليها كحزمة من المواضيع المترابطة، لأن الفيلم السينمائي وسيلة ثرية وحديثة للتفكير والتأمل في أبعاد النفس البشرية، ومن خلال مشاهدة الأفلام السينمائية المختلفة في دول العالم تتيح السينما للجماهير نافذة للتعارف والتقارب بين الشعوب، وبالتالي يدرك أفراد المجتمع أن شعوب العالم المتعددة حتى وإن تنوعت واختلفت عن بعضها البعض في جوانب كثيرة، فإنها تتلاقى وتشترك في جوانب أخرى، فبواسطة السينما باعتبارها إحدى وسائل الإعلام العامة، يمكن عرض مختلف الحالات والأحداث أمام الجمهور بطريقة درامية مسلية، تضمن الحضور الذهني للجمهور، فالتأثير العاطفي الذي يتركه الفيلم السينمائي على الجمهور يساعد في صياغة السلوك الشخصي والاجتماعي، لأن المعاني والرسائل التي توصلها السينما تظل في الذاكرة مدة أطول لما تحمله بين ثناياها من عناصر الفكاهة والتسلية والمتعة والتأثير في المشاهدين، لذا فإن السينما يجب أن تكون وسيلة مغرية للمؤسسات الدعوية المتخصصة في مجال الدعوة إلى الوسطية والاعتدال في الإسلام، ولكن للأسف الشديد نجد العالم الإسلامي متأخراً جداً في مجال الإنتاج السينمائي، ونتيجة لعجزه عن صناعة سينما إسلامية، آثر علماء الإسلام تحريم السينما لسببين، أحدهما: المستوى الهابط الذي اشتهرت به السينما العربية، وافتقارها إلى الضوابط الإسلامية، والسبب الآخر: هيمنة السينما الأمريكية على الجمهور، بما تحمله من مشاهد وأفكار تخالف مبادئ الإسلام وليس من قبيل الصدفة أن تكون السينما الوسيلة الأكثر جماهيرية للتعبير الثقافي في العصر الحديث، فالسينما وسيلة فعّالة لنشر القيم والمبادئ والترويج الحضاري، حيث يمكن بواسطة السينما إظهار مختلف العادات والتقاليد التي يمارسها المجتمع وأسلوب الحياة وطريقة التفكير فيه، وحيث إن السينما تعبر الحدود والحضارات، وبالتالي فإن رفض السينما ومقاومة التطوير الحضاري بدون أسباب موضوعية سينتهي إلى التسليم بالأمر الواقع ومشاهدة الأفلام العربية الهابطة والأجنبية الماجنة. وكانطلاقة أولية في طريق التطوير الحضاري يمكإنتاج أفلام إسلامية مبتكرة تُعرض في مدارس البنين والبنات والمعاهد والكليات والجامعات تعالج القضايا الراهنة التي يقف الجيل الناشئ أمامها حائراً، مثل نبذ التشدد والتطرف والغلو والتكفير والإرهاب، والسينما وسيلة يجب أن لا يستهان بها، حيث يمكن بواسطتها تسليط الضوء على المشهد العربي الإسلامي وإبراز سماحة الإسلام، فالسينما إحدى وسائل الإعلام العامة التي يمكن توظيفها في أغراض مختلفة، مثل: الترفيه والتعليم والتثقيف والتأثير والإقناع والتحفيز ونشر الإسلام. الخلاصة: إن رفض صناعة سينما عربية إسلامية جملة وتفصيلاً لن يصمد طويلاً أمام هيمنة السينما العالمية، فالأجدر هو الترحيب بالتطوير الحضاري ومحاولة صناعة سينما تنافس التيار العالمي وتنشر الفكر الإسلامي.