إنّ قناة اليوتيوب عبارة عن قناة فارغة من المواد المعلوماتية تعمل كبوابة على شبكة الإنترنت، تقدم خدمة الاستضافة التي من خلالها يستطيع أي فرد أو مؤسسة بطريقةٍ عمليةٍ تحميل صور الفيديو على الشبكة، وبالتالي يمكن مشاهدتها مباشرة من قِبل عدد كبير جداً من الجمهور، وتعتبر قناة اليوتيوب أكبر منصة في العالم لنشر صور الفيديو.
ففي عام 2012 م أجريت دراسة عن التصفح على الإنترنت، أظهرت نتائجها أنّ متوسط الوقت الذي يقضيه المتصفح في الصفحة الواحدة لا تتجاوز ثماني ثوان، وذلك شيء مثير للقلق، لأنه عندما يكون لدينا موضوع ونرغب في عرضه على جمهور شبكة الإنترنت التي تعج بالصور والمعلومات ومقاطع الفيديو، يجب أن يكون المحتوى جذاباً وسهلاً وسريع التأثير ليشد الموضوع انتباه المتصفحين، لذلك أصبح الفيديو هو الطريقة الأفضل لعرض المحتويات ؛ حيث تفيد الدراسة أيضاً أنّ 90% من المعلومات التي يستقبلها العقل مرئية، وقد أثبتت دراسات سابقة أنّ الصورة المرئية يستوعبها العقل في وقت أسرع وبجهد أقل من النص المكتوب؛ وفي الواقع نجد أنّ أغلب المتصفحين يقضون معظم وقتهم في مطالعة المحتوى المعروض بالفيديو، لسهولة استقباله وسرعة فهم محتواه وإمكانية مقاسمة محتواه مع الآخرين عن طريق إرساله إليهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. ولذلك أصبحت قناة اليوتيوب جزءاً من منظومة الإعلام الحديث، ولعبت دوراً مؤثراً في مختلف مجالات الحياة، فهناك كثير من مقاطع الفيديو التي انتشرت عبر قناة اليوتيوب كان لها تأثيرٌ مباشرٌ في تشكيل الرأي العام والأحداث العالمية، فعلى سبيل المثال: تغطية الفضائيات الإخبارية لسرعة سقوط الموصل في أيدي تنظيم داعش، أوهم العالم أنّ كل الأراضي العراقية في متناول أيديهم، وذلك بسبب إجادة تنظيم داعش لإنتاج مقاطع من الفيديو عن هجومهم على الموصل وبثها من خلال قناة اليوتيوب، فقامت الفضائيات الإخبارية بنشر تلك المقاطع كمواد إخبارية إلى مختلف أنحاء العالم، فأظهرت التنظيم أكثر رعباً وقوة من وضعه الحقيقي، أي أنّ محطات العالم الإخبارية خدمت تنظيم داعش وساعدته في حملة الترويج التي يبثها التنظيم عبر اليوتيوب، فتقاطر إليه الشباب التكفيريون الجهاديون من مختلف أنحاء العالم. وهذا يؤكد أنّ دور قناة اليوتيوب في عالم اليوم لا يقل أهمية عن الدور الذي تقوم به الفضائيات الإخبارية في مجال التكفير الجهادي وتشكيل الرأي العام والأحداث العالمية. وكثير من المتخصصين في مجال التطرف والإرهاب يرون أنّ قناة اليوتيوب أصبحت تحتل المرتبة الأولى بين وسائل النشر والترويج على الإنترنت، كما يرون أنّ التنظيمات التكفيرية الجهادية أصبحت تعتمد كلياً على الفيديوهات عبر قناة اليوتيوب، وأكثر الشباب الذين انضموا إلى تنظيم داعش من أقصى أنحاء العالم كان نتيجة مشاهدتهملفيديوهات التنظيم على قناة اليوتيوب. وفي السابق ساد الاعتقاد بأنّ الإرهاب مرتبط بتنظيم القاعدة فحسب، ولكن من خلال قناة اليوتيوب ظهر للجمهور تعدد وتنوع التنظيمات التكفيرية الجهادية المنتشرة في العالم، فهناك تنظيم القاعدة الذي يعتبر الأم لكل التنظيمات الحالية، مثل فرع القاعدة في اليمن، وحركة بوكو حرام في نيجيريا، وجماعة الشباب الإسلامي في الصومال، وأنصار بيت المقدس في سيناء، وأنصار الشريعة في تونس وليبيا، وتنظيم جبهة النصرة في سوريا، وتنظيم داعش في سوريا والعراق، وغيرها من التنظيمات في بعض الدول الأخرى مثل الفلبين وإندونيسيا وباكستان وأفغانستان، وجميعها تستخدم قناة اليوتيوب في استقطاب الكوادر ونشر نشاطها التكفيري الجهادي، ولكن من الواضح أنّ تنظيم داعش تفوّق على باقي التنظيمات المنافسة في التمرس التقني، وتوظيف النصوص الشرعية ونشرها في قالب دعوي بمقاطع من الفيديو لا تتجاوز مدته ست دقائق، ولأنه تنظيم يجمع بين الفكر التكفيري الجهادي والقوة العسكرية على الأرض، أصبح التنظيم الأكثر جاذبية لمختلف الشباب من أنحاء العالم. ويرى أغلب الخبراء العسكريين أنّ إستراتيجية التحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش بواسطة سلاح الطيران، عملية محدودة التأثير على الأرض، فعلى الرغم من أنّ قصف الأهداف الحيوية لتنظيم داعش من الجو سيوقف التنظيم ويمنعه من التمدد والتوسع الجغرافي، إلاّ أنّ الصراع الطائفي سيبقى موجوداً على الأرض، فتنظيم داعش موجود على الأراضي السورية كما هو موجود على الأراضي العراقية في المنطقة الواقعة بين الطائفة الكردية في الشمال والطائفة الشيعية في الجنوب. ونجاح سلاح الطيران في محاصرة تنظيم داعش جغرافياً على الأرض لا يعني محاصرة الفكر التكفيري الجهادي في تلك المنطقة الجغرافية. لأنه ينتشر بسهولة عبر قناة اليوتيوب إلى شاشات الأجهزة الذكية المحمولة وشاشات التلفزيون.
الخلاصة: إنّ قناة اليوتيوب منصة دعوية وعملية ومجانية وتُعَد شبكة إعلامية رئيسية، ومتاحة للجميع لنشر الفكاهة والتسلية والرياضة والعلوم والأخبار وأنواع الفكر، لذلك يجب الاستفادة منها في إظهار الحق ونشر الفكر المعتدل لمحاربة الفكر المنحرف وقهر الباطل الذي تمارسه المجموعات الإرهابية.