يأخذ من العجب كل مأخذ ونحن نرى تسرب آلاف من شبابنا إلى جحيم داعش؛ بحيث شكل الدواعش السعوديون النسبة الكبرى من مكونات داعش وتفوقوا على غيرهم من المصريين والجزائريين والليبيين والتوانسة الذين يتصدرون الرقم الثاني بعد أبنائنا في تكوين القوة الداعشية، وقد برز السعوديون الذين جرفهم التنظيم في كل مجال من مجالات العمل التطرفي؛ بدءا من الأعمال العسكرية حيث قدموا أنفسهم وقودا وضحايا، وليس انتهاء بتولي مهمات الفتيا والمرجعية الدينية للتنظيم الإرهابي؛ ولا شك أن هذا البروز لا يدعو إلى الزهو بهم أو تمجيد نبوغهم في فنون القتل وإزهاق الأرواح البريئة وتشتيت الأمة واستهداف أصحاب الديانات المختلفة والطوائف المقيمة في منطقتي الشام والعراق منذ آلاف السنين وقد تعايشوا مع الإسلام ومع الدول الإسلامية منذ بدء انتشار المد الإسلامي وسيادة المسلمين على ما يقرب من نصف الكرة الأرضية في العهود الأموية والعباسية والعثمانية؛ فإقدام المنتمين إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية من سعوديين وغيرهم على ارتكاب هذه الجرائم القبيحة في حق من اتهموهم بالكفر أو الردة وفي حق الطوائف الأخرى من المسلمين أو من المنتمين إلى الديانات أو المعتقدات الأخرى لا يمكن أن يصنف إلا أنه من جرائم الإبادة البشرية الناتجة عن التعصب للدين أو للعرق أو للطائفة، وما جاء الإسلام في مبادئه الأخلاقية العظيمة السمحة بنص يمكن أن يوحي بشيء من ذلك أو يدفع إليه؛ فهو الذي يقول {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (125) سورة النحل. {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (256) سورة البقرة. «ودم المسلم على المسلم حرام» «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة» {ممَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (32) سورة المائدة. {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} (99) سورة يونس. {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} (93) سورة النحل. «فما أنت عليهم بمسيطر» {لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (105) سورة المائدة.
فما سر تفوق شبابنا السعوديين وتميزهم في الحض على محاربة المختلف دينا أو مذهبا وتشريع ذلك والتحايل على لي النصوص وتسخيرها لخدمة أفكارهم المتطرفة؟ وما سر ما أبدوه من إقدام وشجاعة وتضحيات لا يتمتعون بثمارها ولا يرون نتائجها؛ بل يسعى لحصد نتائجها وقطف ثمارها من يديرهم ويوجههم ويضع الخطط لهم ويحركهم من قادة التنظيم المختبئين القابعين في الأقبية تحت الأرض من خريجي مدرسة البعث وعسكرييها السابقين ممن انتكست أمورهم وحرموا من مزاياهم القيادية بالجيش الصدامي بعد سقوط النظام العراقي السابق، أو من أولئك المضامين المضطهدين من النظام السوري الدكتاتوري الجاثم على أنفاس السوريين من نصف قرن تقريبا.
ما سر تفوق شبابنا بتضحياتهم العسكرية - في غير محلها - حيث هم الانغماسيون - بلغة داعش - المقدامون المتسابقون على الانتحار بالسيارات المفخخة، وحيث هم المفتون الشرعيون للتنظيم - على غير هدى ولا بصيرة - وهم أولئك العاطفيون البسطاء المندفعون قبل ثلاثة عقود طلابا صغارا جهلاء في المدرسة الجهادية في جبال وأودية أفغانستان، ينظرون نظرة انبهار وإعجاب وتقليد وتلق وتعلم من أولئك القساة الغلاظ الأشداء من أساطين التكفير وقادة الفكر الخوارجي الناقمين على الأنظمة العسكرية الحاكمة في ديار بني يعرب؛ فيتلقون على أيديهم دروس التكفير في المضافات ومساكن الإيواء والمخيمات ومعسكرات التدريب.
وعلى الرغم من كل ما قدموا ويقدمون لم يتقدموا خطوة واحدة للإمساك بالقيادة العليا أو المشاركة فيها؛ لأن تلك المكانة للعراقيين والسوريين البعثيين الذين يعلمون الأسرار والأهداف الخفية التي أنشئ من أجلها التنظيم؛ أما السعوديون وغيرهم فهم أتباع ودراويش ووقود للأطماع الخفية في الأقبية والسراديب!
لقد تجاوز الشبان السعوديون الذين تقاطروا إلى تنظيم ما يسمى بـ «الدولة الإسلامية» عشرة آلاف، وهو رقم - إن صدق وتأكد - يضعنا أمام مسؤوليات كبيرة ومحاسبة للنفس عسيرة.
في المقال القادم فذلكة في دوافع تفوق الدواعش السعوديين!