يشتغل إعلام بني داعش - أهلكهم الله وأراح العرب والمسلمين والعالم من شرورهم - على الحفر العميق في مخيلة متلقي خطابهم الشوفيني الكاره، لتثبيت عدد محدود من الأفكار السوداء والعمل على تكرارها؛ وكأنّ وزارة إعلام داعشية قد أقرت منظومة تلك الأفكار المشوهة وعممتها لتكون «المنفستو» الإعلامي لكل داعشي.
ومن ذلك مثلاً تفسير النصوص والأحداث التاريخية بما يتواءم مع غاياتهم الباطنية، ولي النصوص والتدليس في فهمها وشرحها للتغرير للعامة والجهلاء وحدثاء الأسنان، والتلويح بالأماني المجنحة والأحلام الطوباوية واستعادة أمجاد ماضية باستحلاب التاريخ والتبشير، بإقامة إمبراطورية إسلامية جديدة لا بد أن تنهض على هدم الدول القائمة وبناء معمار سياسي جديد، والإفادة من انهيار بلدين مدمّرين وقعا تحت نار الفوضى والثورات هما سوريا والعراق، والتعجيل بالتمدد المتاح فيهما لضعفهما، والسعي لضم ما يمكن ضمه من الكانتونات الطائفية الأخرى المجاورة كمناطق الأكراد والأزيديين والشبك والمسيحيين وغيرهم، والتمدد باللغة الداعشية يجذب أفواجاً جديدة من المندفعين والعاطفيين والمغفلين ومن يسحرهم التوسع السريع، دون أن يفطنوا إلى أنه نتيجة لانهيار أو ضعف المستهدفين.
وهنا لابد من مواجهة الـ»ميديا» الداعشية بما يفككها ويدمرها وينظف وجدانات من وصلتهم رسالتها المسمومة بتكوين خطاب ديني وفكري وسياسي جديد، تنهض به عقول غنية ثرية بقضايا الشرع وأحكامه، وممتلئة بوعي دقيق ومشع بالتيارات الحزبية والأيدلوجية في التاريخ الإسلامي القديم والحديث، وهنا أقترح لتفكيك منظومة الإعلام الداعشي:
أولاً : ضرورة التصدي لهذا الفكر التدميري العفن الذي انتهجه التنظيم الباطني؛ بل تجاوزها إلى السعي إلى خلخلة الأمن وتقويض أنظمة الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وهذا الهدف الدنيء ليس جديداً على الفكر الباطني الشعوبي؛ فالعداء الفارسي للعرب وللمسلمين بدأ منذ قادسية سعد بن أبي وقاص في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثانياً : إخراج المؤسسة الإعلامية الرسمية من صمتها المطبق ووضعها في خط المواجهة الأول مع هذا الفكر ؛ باعتبار أننا الآن في حالة حرب، وعليها أن تعيد صياغة أدائها الروتيني الجامد والمعزول ليتواءم مع المرحلة الحرجة.
ثالثاً : وضع رؤية فكرية عميقة للإعلام الرسمي (الإذاعات ومحطات التلفزيون) وكتابة مدونة بالأفكار الرئيسة التي يدور فيها الحوار والتحليل.
رابعاً : تكوين فرق عمل إعلامية من الكفاءات المثقفة الممتازة، ووضع خطة لما يحسن أن تؤديه من أعمال لتقويض فكر داعش.
خامساً : التأكيد على مرجعية الفكر الداعشي في شكله المعلن للغوغاء وللعامة إلى «الخوارج» ونسبة أفعال الدواعش إلى الخوارج، ووضع الموازنات المتطابقة في المعتقد والسلوك بين الفئتين أمام المتلقين.
سادساً : تهيئة فريق فكري متعمق في الوعي بالتيارات الأيدلوجية في التاريخ الإسلامي؛ كالخوارج والقرامطة والحشاشين وغيرهم من الفئات المنحرفة للإفادة منها في الموازنات، ويشتغل فريق سياسي آخر بدراسة وجمع الوثائق المدللة على اختراق «داعش» استخباراتياً.
سابعاً : الاشتغال على مواجهة هذه الفئة الخوارجية بأسلوب الحملة الإعلامية المنظمة والمعمقة والمستمرة على مراحل وعلى المستويات الإعلامية كافة.
ثامناً : تكوين فرق عمل مثقفة واعية بأفكار داعش ومرجعياتها للرد عليها وفضحها بمعرفات متعددة في تويتر؛ باعتباره الأكثر انتشاراً وتأثيراً، واستخدام الأدلة المؤكدة ونشر كل ما يقوض الإعجاب بفكر داعش التكفيري وإبانة من وراءها من دول وأيدلوجيا.
تاسعاً : حجب المعرفات الداعشية في تويتر وملاحقتها عن طريق فريق فني يتواصل كل لحظة مع إدارة تويتر ؛ باعتبار أنّ داعش تنظيم إرهابي مجرم دولياً.
عاشراً : تنظيف التعليم والمؤسسة الدينية والمناشط الثقافية والإعلامية ممن يمكن أن يبدي شيئاً من الارتياح أو الإعجاب بالفكر الداعشي.
حادي عشر : تقديم تجارب مرة في الإذاعة والتلفزيون والصحافة الورقية والإلكترونية لمن كانت لديهم سابقة تطرف أو انضمام إلى داعش ثم عادوا إلى رشدهم، وسيكشف العائدون وهم كثيرون خبايا وأسراراً يجهلها من ضللهم الإعلام الداعشي.