كان يوما استثنائيا بكامل المقاييس حيث توجه أكثر من 61 بالمائة من مجموع الناخبين الذين يتجاوز عددهم 5 ملايين ناخب الى مراكز الاقتراع للادلاء بأصواتهم في ثاني انتخابات تشريعية تشهدها البلاد بعد ثورة الرابع عشر من يناير 2011 بعد انتخابات اكتوبر 2011 التي تم خلالها انتخاب اعضاء المجلس التاسيسي الحالي.
وبالرغم من التنظيم المحكم الذي راق لـ30 ألفا من المراقبين الأجانب والعرب الذين تولوا متابعة العملية الانتخابية في مختلف المراكز داخل الجمهورية، الا ان اخلالات بسيطة طرات على العملية في عدد محدود من مكاتب الاقتراع تم نقل ملاحظات بشأنها الى الهيئة المستقلة للانتخابات التي أقرت بوجود هذه التجاوزات الطفيفة التي لا تفسد سير الانتخابات ولا تؤثر حتى في نتائجها.
هذه النتائج التي فاحت ريحتها حتى قبل الإعلان الرسمي لها حيث أشار استبيان قامت به احدى الشركات الخاصة تناول عينة من المقترعين بعد اداء واجبهم الانتخابي، الى ان حركة نداء تونس مرشحة للفوز باكبر نسبة من الأصوات بما يتجاوز 38 بالمائة من الأصوات تتبعها حركة النهضة ب32 بالمائة ثم الاتحاد الحر ب5 بالمائة من الأًصوات. والجبهة الشعبية ب 4 بالمائة..فيما اندثرت نهائيا احزاب أخرى على غرار التكتل ( حزب رئيس المجلس التاسيسي مصطفى بن جعفر) والمؤتمر من أجل الجمهورية ( حزب الرئيس المنصف المرزوقي) والحزب الجمهوري( حزب المترشح للرئاسية نجيب الشابي). وهي ارقام نسوقها بحذر شديد لأنها غير رسمية بالمرة وقد تكون مجانبة لحقيقة الأمر.
وكانت النتائج الأولية التي سجلتها شركة خاصة لسبر الأراء لاقت ترحيبا كبيرا من طرف شق كبير من التونسييين الذين رضوا بعودة بعض رموز العهد السابق في شكل اسماء جديدة تحمل شعارات الثورة وتعد بغد افضل من الإنفتاح والإعتدال. الا ان المتتبعين للشان المحلي يرون انه من الخطير الترحيب بفوز حزبين رئيسيين بالانتخابات التشريعية على حساب اضمحلال أحزاب أخرى كانت لها مكانتها في المشهد السياسي بعد الثورة، خاصة وأن الأحزاب الصغرى التي فازت مع النداء والنهضة، وإن بنسب ضعيفة جدا، تعتبر من التيارات الحديثة التي لم تكتسب بعد تجربة نضالية طويلة في الحقل السياسي...
ويخشى المراقبون للشأن الانتخابي أن يكون مستقبل الحياة السياسية بعد الانتخابات مقتصرا على حزبين متصارعين متنافسين وأن يعم الإستقطاب الثنائي الأحداث المحلية، بحيث تفقد المعارضة مكانتها ويتراجع دورها رويدا رويدا الى ان يخلو المجال للنداء والنهضة، الذين لن يجدا من بد سوى التحالف. بالرغم مما يفرق بينهما.
وقالت احدى المحللات السياسيات بانه «في حال صحت هذه الأرقام، فانها تؤذن بحصول معجزة اسمها «نداء تونس» باعتبار انه حزب وليد لم يمر على ولادته عامين كاملين، بل ان مؤتمره التاسيسي لم ينعقد بعد، كما تدل هذه النسب على تراجع بورصة حركة النهضة جراء الأداء الهزيل لحكومتي الترويكا المستقيلة وبسبب ربط البعض بين المد الإرهابي والفكر النهضوي.»
ومهما كانت النتائج الأولية التي أعلنت عنها الهيئة المستقلة للانتخابات، فإن الثابت ان التونسيين تجاوزوا جماعات وفرادى التهديدات الإرهابية التي صمت الأذان وسيطرت على الفضاءات العمومية، وقاموا بواجبهم الانتخابي متحدين بذلك الجماعات المسلحة المنتشرة في الجبال والمرتفعات، الا ان ما يؤسف له أن الشباب التونسي لم يكن في الموعد حيث تم تسجيل عزوف كبير للفئة الشبابية عن المشاركة في الانتخابات التشريعية...
وعللت الدكتورة هالة البهلول المختصة في علم الإجتماع عدم مشاركة الشباب في العرس الانتخابي بنقص نضجهم السياسي وضعف الحس الوطني لديهم، وتقول في هذا الصدد :» على عكس البروباقندا التي يروج لها في بعض وسائل الإعلام المحلية فان الشباب التونسي لا يولي بالا ولا أهمية للعمل السياسي، فالمنظومة التعليمية الموروثة عن نظام بن علي لا يمكن أن تخلق شبابا واعيا صاحب عقل ناقد ، الى جانب أن الإعلام اليوم وامس لا يقوم بدور التوعية كما يجب وخاصة في مجال تنمية الحس الوطني لدى الفئات الإجتماعية المختلفة.»