الإعلام يختلف كلياً عن خطاب الدعوة والإرشاد والتوجيه التقليدي، وعصياً على الاستخدام الحزبي والأيدلوجي الضيق، لذا نجد أنّ الممارسة الإعلامية المهنية أو القريبة منها، تواجه هجوماً مستمراً من الحزبيين وأصحاب المشاريع والمصالح الخاصة، قبل أن تتكشف الحقائق.
وفي الوقت الذي يواجه كتّاب الرأي ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمصوّرة، نقداً مستمراً من قِبل تيارات التطرف في كل مكان وزمان، وبالذات التيارات التي اعتادت على الخطاب من جانب واحد، وخط واحد، وسمات متشابهة. اعتاد الإعلاميون النشطاء على هجوم يتفاوت في شراسته من قِبل هذه التيارات، خصوصاً حين يتجه الإعلامي إلى كشف حقيقة التيارات المتطرفة أو السير عكسها، وعكس مشاريعها المتزمتة!
طالما كان الصحفيون مهددين من قِبل المتطرفين، وبصيغ مختلفة، تبدأ من الاتهام والتضييق والتشويه، ونشر الشائعات، والتجريم، وحتى التكفير، وصولاً إلى الاعتداء والتصفية.
تنظيم «داعش» - النموذج النهائي للفكر المتطرّف - وضع قواعد جديدة للصحافيين في المناطق الخاضعة تحت سيطرته.. ومنها:
- يجب على المراسلين مبايعة الخليفة [أبو بكر] البغدادي ، هم من رعايا الدولة الإسلامية، وهم ملزمون بأداء قسم الولاء لإمامهم.
- منع الصحفيين من العمل مع جميع القنوات الفضائية العالمية والمحلية. وهم ممنوعون من تقديم أي مواد حصرية أو القيام بأي اتصال، بالصوت أو الصورة، ويحظر على الصحفيين العمل بأي شكل من الأشكال مع القنوات التلفزيونية التي تم وضعها على القائمة السوداء، للقنوات التي تحارب ضد الدولة الإسلامية، - بالطبع وُضعت قناة العربية الإخبارية في مقدمتها -!
- لا يسمح للصحفيين نشر أي تقرير طباعةً أو بثاً، دون الرجوع إلى المكتب الإعلامي لداعش سلفاً.
- ولا يسمح للصحفيين أن يكون لهم حسابات خاصة بهم على وسائل الإعلام الاجتماعي لنشر الأخبار والصور، إلا بعد تسجيل عناوين وأسماء هذه الحسابات لدى المكتب الإعلامي لداعش.
ليس ذلك فقط، بل وستقوم المكاتب الإعلامية لداعش بمتابعة عمل الصحافيين المحليين داخل أراضي التنظيم وفي وسائل الإعلام الرسمية. وإن أي انتهاك للقواعد في مكان ما سوف يؤدي إلى تعليق عمل الصحافي ومحاسبته..!
طبعاً المحاسبة الداعشية هناك ليست مثل غيرها من الدواعش، فقد انتقل التنظيم الإرهابي إلى مرحلة إعدام الصحفيين العرب العاملين في المناطق التي يسيطر عليها، وبدأ بتطبيق العقوبات ضد المخالفين للشروط والقواعد الجديدة التي وضعها. ونفذ تهديده بإعدام الصحفي العراقي رعد العزاوي، باعتباره خائناً لعمله، حيث لم يقبل بمبايعة أمير «داعش» على الولاء والطاعة..!
محاسبة لا تقتصر على الاختطاف والقتل فقط، بل إن «الجناح الإعلامي» الداعشي، يتابع بدقة النشرات الإخبارية لمختلف وسائل الإعلام، ويرصد ردود أفعال المسؤولين والأفراد ، ويرد على منتقديه في المناطق الخاضعة لسيطرته في ديالى - مثلاً -، عبر حرق المنازل أو تفجيرها بعد نهب محتوياتها، باعتبار أنها تعود إلى من يسميهم بالمرتدين، بل ويقتل ويحتجز أُسرهم أو أقاربهم أو مصادرة كافة ممتلكاتهم.
وكذلك يفعل المتطرفون دائماً مع الإعلام - مع اختلاف مستويات التهديد والمحاسبة -، ستجد من ظهور تنظيم القاعدة إلى اليوم أنّ الإعلاميين كانوا دائماً من قوائم المستهدفين للتصفية، وستجد اليوم الكثير من الإعلاميين والكتّاب من بين من وصلتهم تهديدات داعش، ومن تتواصل معهم مضايقات الحزبيين والحركيين، لدرجة استغلال منابر الجمعة للتهجم على الإعلام والمفكرين والكتّاب في خطب الجمعة وغيرها -كما يحدث أحياناً لدينا هنا -.
من الثمانينيات الميلادية لليوم لم يتوقف التطرّف المحلي عن مهاجمة الإعلام، وحتى الصحف المحلية ووصفها بأوصاف لا تتوقف من التجريم والتكفير.. إلى الصهينة!