لو قيض لسوق الأسهم السعودية أن تصف نفسها ببيت من الشعر؛ لاختارت قول أبي فراس الحمداني: (ونحنُ أناسٌ لا توسُّط بيننا... لنا الصدر دون العالمين أو القبر).. وكذلك هي؛ حيث التطرف المطلق في الإتجاه؛ فإما الارتفاع الحاد؛ وإما الانخفاض المدمر؛ ولا تسأل عن الأسباب؛ فأمرها هين لدى بائعي الوهم؛ وخريجي سوق العقار الذين لا يؤمنون إلا بمضاعفة الأرباح؛ والقضاء على الخصم؛ وحب السيطرة وتدمير السوق التي بدأت في كسب ثقة المتداولين بعد جفاء؛ والتغني بمقولة «أنا ومن بعدي الطوفان».
يرى البعض أن ما يحدث للسوق تجاوز هواة المضاربة؛ ومحبي السيطرة؛ والباحثين عن الثروة بعد أن تحولت مسرحاً للطامحين؛ وحلبة لتصفية الحسابات؛ والإضرار بالمتداولين لإشاعة جو من التذمر العام؛ والنقمة الشعبية.. فالسوق تجمع شرائح المجتمع؛ وأطياف البشر؛ وتتعامل مع ثروات المواطنين ومدخراتهم. وقد قيل «الحلال عديل الروح» بل هو روح الإنسان التي قد تفارق جسده بضياع ماله.
وجد البعض غايتهم في سوق الأسهم السعودية؛ بعد أن تيقنوا من عدم اهتمام أي من الجهات الرسمية التدخل لحمايتها؛ وتصحيح أوضاعها؛ في حال الأزمات المصطنعة. فبرغم كونها أحد أهم قطاعاتنا المالية؛ ومرآة الاقتصاد الحقيقية؛ إلا أنها تتحرك بمعزل تام عن الاقتصاد؛ وتفتقر الحماية المالية المرتبطة بالبعد الإستراتيجي. فهيئة السوق المالية معنية بالجانب الرقابي؛ وتحقيق عدالة التداول؛ وضمان النزاهة والشفافية؛ ولكنها لا تتدخل في مجريات السوق إلا بوجود المخالفات القانونية الظاهرة؛ ما يستوجب وجود جهات رسمية ذات ملاءة مالية؛ وخبرات فنية؛ قادرة على التدخل لضبط حركة السوق وحمايتها في أوقات الأزمات الداخلية والخارجية.
كتبت غير مرة منذ العام 2005؛ وكتب غيري؛ عن أهمية وجود صانع السوق الرسمي القادر على ضبط حركة السوق وتوفير التوازن النسبي لها؛ ولم أجد تجاوباً يذكر من الجهات المعنية؛ بل إن بعض المسؤولين قلل من أهية الطرح لعدم توافقه مع حاجة السوق السعودية. يبدو أن الخصوصية السعودية ترفض التجارب العالمية؛ اعتقاداً بقدرات مسؤولينا الفنية والفكرية والتقنية والحضارية؛ المسيطرة على العقول الحالمة.
كتبت أيضاً عن أهمية الرسائل التطمينية التي يفترض أن تصدر من الفريق الاقتصادي؛ في أوقات الأزمات؛ وأهمية التواصل الإعلامي الفعَّال؛ وانعكاساته المباشرة على أداء السوق؛ وتفنيد الشائعات؛ ووقف الهلع؛ وبث الطمأنينة والتفاؤل بين الناس. تتعامل الأسواق المالية بحساسية مفرطة مع الشائعات؛ والأخبار السيئة؛ ما يجعلها أكثر حاجة لصوت المسؤول في أوقات الأزمات. يتسابق مسؤولونا لطمأنة الأسواق العالمية ذات الحساسية المفرطة تجاه نمو الاقتصاد العالمي؛ وأسعار النفط وحجم الإنتاج؛ في الوقت الذي يتوارون فيه عن الأنظار محلياً؛ وهو أمر مقلق ولا شك. يبدو أن خسارة السوق لما يقرب من 1500 نقطة في أسبوع لم يترك أثراً لدى الفريق الاقتصادي السعودي. على النقيض من ذلك دفعت خسائر الأسواق الأميركية «جيمس بولارد» رئيس الاحتياطي الفيدرالي بمدينة «سانت لويس» للتصريح بأن «البنك المركزي يجب أن يفكر في تأجيل إنهاء العمل ببرنامج شراء السندات من أجل وقف الانخفاض المتوقع في معدلات التضخم» ما ساعد على عودة الأسواق الأميركية إلى الإستقرار يوم الخميس الماضي. وعلى علاقة بمتغيرات أسعار النفط؛ بثت وكالات الأنباء العالمية صورة للمهندس علي النعيمي؛ وزير البترول والثروة المعدنية؛ وعبرت عن الصورة بقولها: «النعيمي محاط بصحفيين في انتظار إشارة منه لتحديد الاتجاه». أعتقد أن سوق الأسهم السعودية أكثر أحقية وحاجة بتصريح رسمي مماثل؛ وموجه إلى الداخل؛ كي يقيل عثراتها المصطنعة؛ ويحدد اتجاهاتها المستحقة.
لا بواكي لمتداولي الأسهم السعودية؛ ولا مرجعية تُقيل عثراتهم؛ ولا صوت حق يسهم في إعادة التوازن المستحق لسوقهم.. السوق مستودع ثروات المواطنين؛ ومدخراتهم؛ واستثمارات الصناديق الحكومة التي يمكن أن تلعب دوراً رئيساً في خلق التوازن الأمثل لها؛ وتوفير الحماية اللازمة لأسهمها التي تلاعب بها هواة السوق.
ما حدث من إنهيار مفاجئ لسوق الأسهم السعودية؛ الأسبوع الماضي؛ يمكن أن يكون (بروفة) مصغرة لما قد يحدث حين فتح السوق للاستثمار الأجنبي المباشر؛ ما يفرض على الحكومة وضع احتياطيات مشددة لمواجهة الأزمات؛ وحماية السوق؛ وإن كنت أعتقد أن المستثمر الأجنبي ربما كان أكثر عقلانية ورحمة بالسوق السعودية ومستثمريها ومكوناتها من السعوديين أنفسهم.