الصورة النمطية لـ»الفقير الهندي» الهزيل الذي ينام على لوح من المسامير ترسخت في أذهان أجيال متعاقبة من الناس في أرجاء العالم كصورة معبرة عن أوضاع الملايين من البشر الجوعى المعدمين في بلاد الهند. وهي صورة غير دقيقة، فالهند هي بلد المتناقضات وبلد العجائب التي لا تنتهي حيث يتجاور الفقر المدقع مع الثراء الفاحش والخرافة مع علوم العصر!
صحيح أن في الهند مئات الملايين من الناس الجوعى، وصحيح أن الخرافات والتقاليد البالية لا زالت تعشعش في الهند، وأن مستوى الخدمات المقدمة لنسبة هائلة من المواطنين متواضع وليس على ما يرام، لكنَّ هذه الأوضاع لا تعكس بدقة ما وصلت إليه الهند من تقدم.
فالهند دولة كبرى تضم بعض أرقى جامعات العالم، ويوجد فيها من العقول المبتكرة في شتى المجالات ما تسعى دول الغرب إلى استقطابه. والهند هي دولة صناعية تنتج معظم ما تحتاج إليه من المنجات الصناعية، وقد أصبحت مركزاً مهماً في مجال المعلوماتية وما يرتبط بها من الصناعات والمنتجات. وهي أيضاً تأكل مما تزرع، بل أنها تزود الكثير من بلدان العالم بالمنتجات الزراعية والغذائية.
وقد انتقمت الهند لكل الدول التي تسمى «الدول النامية» عندما قفزت مؤخراً وببراعة شديدة إلى صفوف الدول الصناعية المتقدمة التي احتكرت الصناعات الفضائية وما يتصل بها من استكشافات وأنشطة. فقد نجحت في وضع مسبار في مدار حول المريخ منذ المحاولة الأولى، وفعلت ذلك بتكلفة زهيدة لا تتجاوز أربعة وسبعين مليون دولار فقط في حين أن الدول الغربية المتقدمة تنفق على مثل هذا المشروع مئات الملايين من الدولارات وبما يتجاوز المليارات أحياناً!
وقبل أن تقتحم الهند نادي الدول الفضائية، كانت قد اقتحمت نادي الدول النووية وصارت قوةً يُحسب لها ألف حساب. وهي أيضاً واحدة من دول مجموعة العشرين التي تملك اقتصاداً هائلاً في الجانب الإنتاجي والجانب الاستهلاكي.
كل ذلك لم يمنع جريدة نيويورك تايمز أن تقدم صورة ساخرة عن الهند عندما أطلقت مسبارها حول المريخ فقد نشرت رسماً كاريكاتورياً اضطرت للاعتذار عنه بعد احتجاج القراء. وكالعادة يتضمن الكاريكاتير رجلاً هندياً يسحب بقرته الشهيرة، لكنه هذه المرة يطرق بعنف نادي النخبة الفضائية!
لقد استثمرت الهند بقوة في مجال التعليم، واستطاعت من خلال التعليم أن تحقق قفزات هائلة. ويبدو أن هذا الاستثمار في مواردها البشرية هو الذي سيخلص شعبها من الفقر والحرمان بعد أن يقضي على الخرافات والجهل. وما تفعله الهند هو درس بليغ لكل الدول المتخلفة التي تسعى إلى الانعتاق من تخلفها.