حينما لملمت الإجازة الصيفية أوراقها، أو متاعها، وارتحلت قبل أيام، لا بد أن نتداول واقع حالها، ونجري قدر المستطاع تأملاً وأسئلة محتملة عن أهم محطاتها ومنعطفاتها وتحولاتها؟ وما حجم المكاسب منها، أو ما خسرناه فيها؟ وهل هي حالة زمانية مكررة ومعتادة تحل وترحل في كل عام؟ أم ترى أنها حالة فريدة يصعب تكرار تفاصيلها أو التفاعل معها؟!
كمية من هذه الأسئلة الساخنة - كطقسها - لا بد من حشدها، والتفاعل معها، والبحث عن إجابات موضوعية، بعضها يأتي بما يشبه الإقناع، والآخر توفيقي وحيادي.. بل إن هناك إجابات ممكنة، تقارب هذه الحالة، وتتماهى مع مشروعها، وتحفل به. كما أن البعض يذهب في اتجاه آخر، نحو توصيف هذه المناسبة وكأنها حالة ترف، أو كسل فائق، أو محاولة لقتل روح الوقت وحسب.
فالإنجازات المتوقعة للإجازة تذهب في معنيين متواترين: واحد معنوي، والآخر مادي. ففي الجانب المعنوي يظهر أننا كسبنا الراحة بعد عناء عام كامل من الركض واللهاث اليومي وراء المدارس ومطالبها، وما أخذناه منها هو الدخول في بيات صيفي، نتقي فيه شدائد الحر، وقسوة المناخ في الكثير من مناطقنا. أما ما هو مادي فإنه قد يكون بوجهين: فواتير تكاليف سفر ومناسبات ورحلات وزيارات، وفي جانب آخر موسم تجاري تربحي مناسب للكثير ممن يعملون في سوق الاستهلاك، ويتحينون فرصة الإجازة الصيفية الثمينة.
ومع هذا الشد والجذب بين منتظر لهذه الإجازة أو المناسبة وزاهد فيها، فإن المجتمع في الغالب الأعم قد عايش كمية لا بأس بها من الكسل والتثاؤب والنوم مع العديد من المناسبات المكررة والمستنسخة لولائم وموائد ومحاولات لاهثة لاستدراج الفرح والتمتع بالإجازة. وبما أن الوقت صيفاً قد أُهدر دمه، فإن المال قد بُدّد، ولم يعد للمُخَطِّط والمقتصد أن يقوم بـ»رحلة سياحية اقتصادية» كما تزعم بعض مكاتب السفر والسياحة، التي يبدو أنها عكرت المزاج العام في هذه الأيام. فإن المكاسب لا يمكن لنا أن نقول عنها إنها تحققت من هذه المناسبة، فضلاً عن أنها تمر بشكل روتيني مألوف، ويكون طابعها العام إجازة مدرسية موجهة للطلاب والطالبات.
فإن همس أحد ما بأن الإجازة الصيفية لم تُستثمر جيداً فذاك من قبيل الحقيقة التي قد لا يُجهر بها؛ لأن المشروع السياحي المحلي لم يعد مربحاً رغم محاولات بعض الجهات التفاعل معه وبناء مشاريع آنية تذر مسحوق الفأل في أفئدة العطاش أو التواقين لفكرة السياحة المحلية المنتظمة.. تلك التي تحقق أهداف المشروع الترفيهي بأسلوب واقعي، يحيل كل ما يقوم به المجتمع من نشاط وحركة في هذه الإجازة الصيفية وغيرها من إجازات إلى أنه من قبيل السياحة، حتى وإن جاء على نحو التنقل بين المدن والقرى والأرياف.
فالإنجاز الذي يمكن أن يسجَّل للإجازة الصيفية أنها أوقفت دوامة العمل والتعب على مدى عام دراسي كامل، وجددت العلاقة بيننا وبين المجتمع من خلال طرق العديد من القضايا التي أسهمت فيها وسائل الإعلام، وتفاعلت معها وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتبين لنا مَواطن الضعف والقوة في هذه المناسبة؛ لعلنا نكون أكثر قدرة في المستقبل على تفعيل أنماط إيجابية لاستثمار الإجازات بشكل مناسب.