أنا لا أمل ولا أكل من تكرار القول بأن العصب الرئيس لأي تنمية وطنية هو التعليم. هنا يبرز سؤال كبير: ما نوع وسمات التعليم الذي يمكن أن يحقق التنمية؟ بداية لا بد من القول إن تجارب العالم المتقدم تؤكد أنه ليس أي تعليم يستطيع تحقيق التنمية، هناك دول يستنزف التعليم جزءًا مهمًا من دخلها القومي دون أن يحقق لها أي عائد تنموي، أي أن هذا التعليم كل على أهله. فقد ترى مدارس شامخة في كل مكان ينفق عليها الملايين، وقد ترى ملايين الطلاب وآلاف المعلمين يؤمون تلك المدارس كل صباح، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن هذا التعليم سيحقق التنمية المستهدفة، عندما يتخلف التعليم تجد أن الطلاب يعودون إلى منازلهم في المساء كما ذهبوا منها في الصباح، اللهم إلا من نتف متفرقة من المعلومات التي لا تعني لهم شيئاً، ولا تفسر لهم ما يحيط بهم من ظواهر، ولا تجعلهم أقدر على تقصي الحقائق وبحثها من خلال منهج علمي وتفكير عقلاني ناقد. إن أهم سمات التعليم الذي يحقق التنمية أنه تعليم لا تسيطر عليه شريحة فكرية محددة تنفي كل ما عداها، وإنه تعليم لا يتم توظيفه ليخدم أيدولوجية وأجندة معينة، وأنه تعليم يجد الناس فيه فرصاً متكافئة، وأنه تعليم يختار معلميه وفق أفضل المعايير ويوفر لهم بيئة عمل جاذبة ومشجعة ويحاسبهم على جودة أدائهم. إنه تعليم ينطلق من مسلمة احترام وتقدير الإنسان مهما كانت قدراته، ويوفر له الفرص لينجز ويبدع، بغير هذا النمط من التعليم سنبقى في العالم الثالث إلى أبد الأبدين.