الإدارة بالغفص مصطلح عرفه مجتمعنا الإداري قبل خمسة عشر عاما، وهو يعتمد على استخدام العنف والقوة والتسلط والاستبداد والتفرد والتهميش والتطفيش والنصب والاحتيال والتحايل وغيرها من الوسائل الملتوية لتحقيق أهدافه، واستخدامه محدود جداً ومحصور في حفنة
قليلة لسوئه ولكونه ينافي أبسط قيم الإدارة والأخلاق البشرية وآداب السلوك الإنساني وفنون التعامل مع الغير، حيث إنه أسلوب لا يجيده ولا يستخدمه الا الفاشلون من ذوي الصفات والقدرات التي يسعى دائما أصحابها لتقوية مكانتهم وسمعتهم لا مكانة وسمعة العمل الذي ينتمون اليه، ولو على حساب غيرهم؛ لكونهم لا يعترفون بآدمية الناس الذين يعملون معهم، ولا يراعون إنسانيتهم، أو يقدرون حقوقهم واحتياجاتهم، ولكونهم يرون أنفسهم من الغرور هم الكل في الكل، وبالتالي لا تجد حولهم الا من يمدحهم ويطبل لهم ويكذب عليهم ويدغدغ نرجسيتهم المفرطة.
الإدارة بالغفص أسلوب (وقح) لا يمارسه الا من لا يتكلمون مع مرؤوسيهم إلا بالكذب والخبث والغلظة والفظاظة، ومن لا يسمحون إلا بالثناء والمدح وتمجيد المنجز وإن كان سخيفا ، ويحرصون على تكدير سعادة من يعمل معهم حتى في الأعياد والمناسبات والأوقات السعيدة. وكأنه لا هم لهم الا اثارة الأعصاب، وتثبيط الهمم، والتشكيك في الذمم، والمحسوبية، والمحاباة، واتباع الهوى. وإجبار أتباعهم على التقليد والجمود، لا يجيدون النقاش الا بالصوت المرتفع والعيون التي يتطاير منها شرار الكراهية والغضب، يعتقدون أنه لا جدوى من رأي الغير؛ فهم «أبو العُرِّيف» الذي لا يباريه أحد في الفكر والتفكير والعقل والتدبير، سعادتهم تنحصر في التحكم في رزق ومصير العاملين معهم، إن هم فكروا في الاختلاف معهم، مما يعني أن المستقبل الوظيفي مقيد بالوقوف بجانبهم والانصياع لأوامرهم، وعدم الاختلاف معهم أو تخطئتهم فهم لا شيء يعجبهم سوى هز الرأس وتطيير العيون وترديد أبشر وحاضر وسم طال عمرك!
الإدارة بالغفص أسلوب (نشاز) لا يمارسه الا من يرون أنهم وراء كل نجاح، وغيرهم هم من يقف وراء كل فشل، يظنون أنهم قادة وزعماء وأهل رأي وإتقان وريادة ويضفون عليهم هالة من الأهمية والخصوصية والمعالي والسمو، وهم في واقع الأمر واهمون يخادعون أنفسهم ويكذبون عليها، رأيهم إن وجد ضبابيّ مغلف وغير واضح، ويحتاج لمختص يفك رموز شفرته، تجدهم دائما متأزمين ومضطربين ومختفين لا يواجهون عند الأزمات والمواقف الحرجة، وتجدهم مستبدين ومتسلطين لا يسمحون بإنجاز أي عمل صغيرا كان أم كبيرا، إلا بإذنهم وتحت أعينهم، ولذا يرعبهم الأمر والتوجيه المكتوب (الموثق) وإذا وجهوا فتوجيهاتهم غير محددة وغير دقيقة ويفضلونها شفهية غير مكتوبة!
الإدارة بالغفص أسلوب (نفاق) لا يمارسه الا المُخلفون لوعودهم، الناقضون لعهودهم،.السيئون في نواياهم وأهدافهم، المغالون في ردود أفعالهم، الذين يتعاملون مع مرؤوسيهم كالآلات لا بشر لديهم أحاسيس ومشاعر، ويتعامل مع الكل على أنهم نمط واحد لا فروق فردية بينهم، ويتصورون أن في إرهابهم وتخويفهم دافعاً لمضاعفة الإنجاز، مغرمون بنظريات الادارة التي تسيء الظن بالمرؤوس إلى أن يثبت العكس، يعتمدون كثيراً على إرهاب الأفراد والتجسس عليهم ونشر الرعب في بيئة العمل، يحبون الوشاة ويقربونهم إليهم، خبثاء قلب، خصماء مبينون، فاجرون في الخصام، جبناء عند المواجهة؛ إذ سرعان ما ينكرون ويلقون باللوم على غيرهم، يفرّ منهم الأفراد إلى مؤسسات أخرى، وعلى رأسهم المتميزون، حيث يؤكد استطلاع رأي أجراه مركز «غالوب» الأمريكي أن المدير الفاشل هو السبب الرئيس في ترك الموظفين والعمال المتميزين للعمل، وأن أكثر الموظفين والعمال المتميزين عندما يتركون وظائفهم فإن هدفهم ترك المدير وليس المؤسسة.
الادارة بالغفص أسلوب (نذالة) لا يستخدمه الا أنذال لا يأبهون بمشكلات الأفراد، ويبررون لأنفسهم أن ذلك ليس من اختصاصهم، وأنه ليس لديهم وقت لذلك، وإذا أتاهم صاحب مشكلة فغالباً لا يصغون إليه ولا يهتمون بمشكلته، وغالباً ما يجعلون اتخاذ القرارات المضادة للإدارة السابقة هدفاً في حد ذاته، منشغلون دائماً بالوسائل عن الأهداف وبالأهداف عن الغايات، قاسون، فوضويون، لا يجرؤون أن يصارحوا رؤساءهم حتى وإن أخطؤوا، وربما إذا صارحوهم جرحوهم، مُسرفون في مزاحهم إلى درجة الابتذال، والنكد والكآبة ، واخر تفكيرهم وهمهم وتخطيطهم رفع معنويات العاملين معهم أو تنمية العلاقات بينهم ، بل إنهم على العكس من ذلك، يسعون الى ما يسوء العلاقة بين المرؤوسين من باب فرق تسد، خوفا على الكراسي!
المدير الناجح لا يلجأ الى اسلوب (الإدارة بالغفص) لأنه يحرص على حل مشكلات العاملين معه، والتعامل معهم كصديق يحسن معاملة أصدقائه.كما يقول «روي فلمان» وهو المسؤول التنفيذي للعلاقات الداخلية بشركة «أمريكان موتورز»: قد يأتيني الموظف إلى مكتبي غاضباً، فأقابله مقابلة حسنة، أجلسه في مجلس كريم قبل أن أجلس أنا، وأطلب له كوباً من العصير، وبعد ذلك أطلب منه أن يحكي لي ما بداخله دونما أدنى مقاطعة مني، حتى يُخرج جميع ما بداخله، وأهم شيء في نظري هو أن يجد هذا الموظف من يستمع إليه، وأعرض عليه اقتراحاً لحل تلك المشكلة، فأراه وقد تبدلت حاله، من مشحون بالغضب كان يريد أن يقتلني، إلى صديق وجد من يستمع إليه.. المهم عندي هو أن يخرج من مكتبي وهو راض، فيخرج وقد حلت محلَّ شحنات الغضب شحنات الدافعية والرغبة في العمل، وأيضا كما يقول «أوليفر هوليمز» القاضي لمدة ربع قرن في المحكمة الدستورية العليا بوازرة العدل الأمريكية: إن أفضل أسلوب من أجل تنمية علاقة مع من تحب هو أن تستمع إليه بإنصات وثقة وبفهم دون مقاطعة وغمره بالحب والاحترام دون افراط ولا تفريط.
ختاماً نحذر من استخدام اسلوب (الادارة بالغفص) لفشله الذريع في مجتمعنا، لأن مجتمعنا أصيل لا يقبل الممارسات التي لا تنسجم مع القيم والأخلاق؛ ويميل دائما لأساليب الادارة بالمحبة والتفاهم والتشاور والاهتمام بعموم الأفراد العاملين من منطلق الثقة والشراكة والحقوق والواجبات والحياد والموضوعية وحسن المعاملة، وتقديم مصلحة العمل على المصلحة الخاصة، ولأن أسلوب (الادارة بالغفص) لا يستخدمه الا الأناني الأحمق، الانتهازي المتسلق الذي همه نفسه ومصلحته ويجهل فن التعامل الإداري القائم على «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه» والذي لا يفهم في مجال الإدارة الا الغفص!
كفانا الله وإياكم شر الإدارة بالغفص.!