منذ أسبوعين باشرت دولة الإمارات العربية المتحدة في تطبيق تجنيد الشباب للخدمة الوطنية العسكرية، وقد هيئت لذلك المراكز والمدربين والتجهيزات اللازمة، ولكن قبل هذه التهيئة رأى قادة الدولة الفتية، أن التجنيد للخدمة العسكرية له فوائد عظيمة تستحق العناء والنفقة المالية الكبيرة، منها جَبلُ الشباب على تحمل المسؤولية الذاتية والانضباط في السلوك والرغبات، وتحصين الشباب من أدلجة الفكر، بتمكينهم من المفاهيم النقدية وأصول اتخاذ القرارات، بحيث لا يعتمد الشاب مفاهيم وأفكار قبل أن يستوعبها ويجادلها جدالا عقليا، وفوق ذلك يراد أن يكتسب الشاب مهارة عملية خلال فترة التجنيد، قد تفتح له آفاق العمل والأعمال وتحسن من مساهمته في الناتج القومي.
ما فعلته الإمارات كان استجابة لرغبة شعبية، وعندنا في المملكة طالما عبر عن هذه الرغبة في فترات زمنية سابقة، وكان العائق من تنفيذ تجنيد الشباب للخدمة الوطنية العسكرية فيما أعتقد كان عائقاً لوجستياً فالمهمة ضخمة وتستلزم موارد مالية كبيرة لأعداد مراكز التجنيد والتدريب وكذلك كوادر فنية وطنية تتولى إدارة المهمة والتدريب وهو ما كان متعذرا في وقت مضى، ولكن اليوم لدينا كثير مما يذلل هذه العوائق ولنفس الأسباب التي استشعرتها دولة الإمارات المتحدة، نجد أن التجنيد للخدمة الوطنية العسكرية له ما يبرره ولنفس الفوائد العظيمة التي ذكرت آنفاً.
التجنيد للخدمة الوطنية هو أحد أهم أسباب نمو الإنتاجية في كوريا الجنوبية وجعلها دولة تنتقل من واقعها الزراعي لواقعها الصناعي ثم المعلوماتي، وهو التجنيد الإلزامي لليابانيين قبل الحرب العالمية الثانية هو ما جعل المخزون المعرفي والمهاري للمجتمع الياباني عظيم بحيث لم تحتج اليابان بعد هزيمتها أكثر من (20) سنة لتتفوق على اقتصادات دول المنتصرين وتصبح الاقتصاد الثاني في العالم حجماً بعد الولايات المتحدة لعقود، والتجنيد الإجباري في سويسرا لا زال هو ما يميز الانضباط السويسري رغم أن سويسرا بلد لا تعتمد بناء علاقاتها السياسية أو حل مشاكلها بالطرق العسكرية، وكذلك النمسا والتي تتبع النموذج السويسري في العلاقات السياسية، أما النرويج وتركيا مع أنهما عضوان في حلف الناتو والذي يشملهما بمظلة حماية نووية، لا يطبقان التجنيد الإلزامي (Conscription) إلا لما له من فائدة في صقل القدرات الشبابية وحملهم على الانضباط. ومعظم الدول النامية تفعل مثل ذلك.
التجنيد الإلزامي، له فوائد كثيرة وهو وسيلتنا لإعادة زرع الجدية واحتمال المسؤولية في جيل بات يعاني من متلازمة ما يسمى بالمرض الهولندي (Dutch Disease)، فجيل اليوم في معظمه نبت على يسرة الحصول على الموارد وبات جيلا متطلبا بقليل من الجهد، مما جعل قدرته الإنتاجية ضعيفة مقارنة بمن سبقه من أجيال، والأهم من هذا في هذا الوقت بالذات وهو خصوصية سعودية، هو تحصين الشباب في المرحلة العمرية بين (18) و(25) من الاستهداف الذي تقوم به الجماعات المتطرفة والمغرضة، فالتجنيد الإلزامي يبني الشخصية القيادية ويعزز الثقة بالنفس مما يؤهل الشاب للجدال والنقاش والاستعصاء على الإتباع الأعمى.
أتمنى وكثير مثلي في أن نرى في يوم وقد بات التجنيد الإلزامي حقيقة في بلادنا، ونحن على ثقة بأن القيادة ربما هي تعد لأمر كهذا فلا شك أنهم يرون الحاجة ويرون المصلحة بشمولية، أكثر مما نرى.