في الأسبوع الماضي دعا معالي محافظ الهيئة العامَّة للاستثمار المهندس عبداللطيف العثمان، عددًا من كتّاب الرأي إلى شرح خطط الهيئة فيما يخص جذب الاستثمارات الخارجيَّة وتمكين الاستثمارات الداخليَّة ودعم الاقتصاد الوطني بمبادرات تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكذلك إعادة وضع المدن الاقتصاديَّة على سكة التنفيذ، وكان العرض ممتعًا وغنيًّا بالحور والمعلومات، وقد أثار اهتمامي من عرض معالي المحافظ ثلاثة أمور الأول هو تبني إستراتيجية تقوم على تسويق المملكة في الخارج للمستثمرين الأجانب كبيئة استثمار تحتضن كثيرًا من الفرص الواعدة ودعم المستثمرين السعوديين بما يجعلهم يستشعرون الفرص الاستثمارية في بلادهم وتيسير تحقيق ذلك، والثاني هو العمل على تغيير التصور بأن الهيئة مخصصة لتنمية الاستثمارات الخارجيَّة وإحلال تصور آخر يقوم على أن الهيئة هي معنية بتنمية الاستثمار الاقتصادي في المملكة العربيَّة السعوديَّة بصورة عامة، لذا ستبادر في تأسيس مراكز الخدمة المخصصة للمستثمرين السعوديين. والثالث هو ما سأتوسع في نقاشه فيما بعد وهو ضعف أثر الاستثمار في المملكة في تنمية الناتج الإجمالي مقارنة بأثر الاستثمار في أوروبا على ناتجها المحلي الإجمالي.
كل (1000) يورو يستثمر في بلدان أوروبا يضيف لناتجها المحلي الإجمالي (3600) يورو في حين أن كل (1000) ريال يستثمر في بلادنا يضيف لناتجنا المحلي الإجمالي (1600) ريال، بمعنى أن كفاءة الاستثمار لدينا أقل من أوروبا بأكثر من الضعف، هذه المقارنة استثارت اهتمامي، وجعلتني أبحث عن أسباب إعاقة كفاءة الاستثمار في بلادنا. ولم أوفق في العثور أيّ بحث أو مادة علميَّة تتحدث عن عوائق كفاءة الاستثمار في المملكة، حتَّى تكون متكأً لي في نقاش تلك العوائق، لذا اعتمدت على الثقافة العامَّة في هذا الموضوع وما هو سائد في معظم بلدان العالم. فكفاءة الاستثمار لدينا يعوقها عدّة أمور، منها التمويل والسياسات البنكية، فالبنوك السعوديَّة تتحرز كثيرًا في الإقراض وخصوصًا عندما يتعلّق الأمر باستثمار إنتاجي صناعي كان أو خدماتي، هي بنوك تجاريَّة تفضَّل التجار وتحرص على رضاهم فعملياتهم يومية وتعاملاتهم لها شفافة، وهي أيْضًا لا تقرض إلا لمن لديه أموال ولكن بصورة غير سائلة، لذا تحسن التعامل مع العقاريين، وحيث إن معظم ضمانات قروضها هي رهونات عقارية فهي تهتم باستقرار سوق العقار وتسهم في ارتفاعه متى كان ذلك متاحًا. السبب الآخر لإعاقة الاستثمار في بلادنا هو البيروقراطية، بيروقراطية التراخيص وبيروقراطية التوظيف وبيروقراطية المشتريات، فكثير من الجهد الاستثماري يتشتت في أرض متطلبات حكومية، معظمها ليس له قيمة عملية، والسبب الثالث هو الارتخاء الحقوقي، فكثير من التعاملات تخالف العقود المبرمة، وقليل من يمتثل للشروط الجزائية وعند الاختلاف تتعثر عملية الحسم العدلية ويصبح الصلح والتحكيم هو المفضل، وقد تدوم كثير من الخلافات بلا حسم لسنوات طويلة ليس لأنّها تستحق هذه المدة، ولكن لقصور في الرغبة في حسمها، والسبب الأكثر أثرًا هو ضعف الكفاءة التنفيذية في إدارة الاستثمار، فكثير من المستثمرين متعدد الاهتمامات ومنتشر الشركات وقليل الاعتماد على العون من أصحاب الكفاءات الإدارية، فمعظم المستثمرين التجار يريد مساعدين يتخذون قرارات تدر عليه الملايين ولا يريد أن يدفع لهم سوى الملاليم. إذا كنا نريد أن نحقق كفاءة للاستثمار لدينا تماثل كفاءة الاستثمار في أوروبا، فعلينا أن نفكر مثلهم. كيف يكون ذلك؟ ببساطة ألا نعتقد أن الاستثمار هو لصنع الثروة الشخصيَّة فقط، الاستثمار هو وسيلة صنع الأوطان وصنع الفرص وصنع الرخاء وصنع كرامة الإِنسان، لذا لا بَُّ أن نذلل كل العوائق التي تعترض الاستثمار في بلادنا.