يخرج من السجن بعد سنوات من المراجعة والمناصحة، ويظن به خيراً وأنه عاد لجادة الصواب، في ظاهره سلامة وطيبة وعودة إلى الحق, وفي باطنه مكرٌ وخداع وفكر منحرف.
لا أتحدث عن شخص بعينه ولكنني أتحدث عن واقع يجب أن نعترف به، أناس كانوا يحملون فكراً منحرفاً سجنوا لسنوات وخرجوا بعد ما ظن بهم خيراً، لكنهم في الحقيقية التزموا ظاهرياً،فلم يعد لهم نشاطات ولا كتابات مكشوفة وإنما أخذوا في تصيد أحداث الأسنان وزرع الفكر المنحرف بينهم، وهم الذين ما زالوا على الفطرة، بأذهان سليمة وقلوب نقية, فلما يأتي مثل هذا المتربص تنقلب عندهم الموازين وتتبدل المفاهيم, فيوهمهم بأنهم على ضلال, ويردد على مسامعهم الآية الكريمة (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) ينحرفون عن قناعة تامة كون من يعلمهم واثقون من علميته وحرصه على مستقبلهم، وأنه تعلم من السجن ما لم يكن يعلمه، ويأخذ في سرد القصص (الخرافية) عليهم فيظهر أمامهم بأنه بطل عظيم, فينساقون وراءه طمعاً في مجد أوهمهم به.
إن تصيد أحداث الأسنان من أصحاب الفكر المنحرف أسهل مما نتصور، فكل المسألة صيد واحد صاحب علاقات جيدة مع مجموعة من الشباب وهو بدوره يجمعهم على هذا (الشيخ) في جلسة (علم) وعشاء و(حب في الله) بعدها تكون الجلسات والجلسات التي يغسل فيها أدمغتهم كما تغسل العاملة المنزلية أطباق مطبخها بكل شطارة.
أحداث أسنان يخلعون ثوب التقوى والصلاح ويلبسون ثوب التطرف والانحراف، وهم يظنون أنهم في التقوى راسخون وإلى الله يتقربون.
المجتمع بطبيعته لا يحب أن ينظر لأي مصل صائم مسبح نظرة ريبة, بل قد يمنحه كامل الثقة كونه يفترض فيه التقوى والصلاح، لكنني أعتبر هذه غفلة, خاصة من الوالدين، فالتطرف ذات اليمين مماثل إن لم يكن أسوأ من للتطرف ذات الشمال.
خلال العقود الماضية أثمرت جهود المتطرفين جيلا مرتبكا، اختلطت عليه المفاهيم، ولم يعد يفرق بين بياض الحق وسواد الباطل, فحدثت مآسي كان حطبها العشرات من أبناء هذه الوطن، أحرقوا قلوب والديهم وأفسدوا سمعة دينهم ووطنهم.
لا أريد أن نخبي رؤوسنا في أكنافنا وندعي عدم وجود من يعتنق أفكارا ومعتقدات باطلة، بل ومخرجة من الملة، كما لا أريد من الأجهزة الرسمية أن يكون دورها الكشف عن معتنقي هذا المعتقد أو متبعي هذه الجماعة والقبض عليهم، إنما أريد أن نولي مسألة التوعية جل اهتمامنا أفراداً وحكومة، نريد أن يكون شباب الوطن قوة ضاربة تصد بصدورها كل معتدٍ يريد بوطننا ومقدساتنا سوءاً.
أُؤكد أن من بين شبابنا من يعتنق أفكاراً مدمرة غذوا بها من قبل أناس لهم عداء صريح معنا, فالأمل أن لا نتيح لهم فرصة فقد شبابنا إما في مواطن القتال أو في غياهب السجن.
أعود لأؤكد أن مسألة العناية بالشباب فكرياً لم تعد ترفاً بل باتت أمراً ملحاً وعاجلاً ويجب أن ننطلق من الساعة في وضع إستراتيجية واضحة بعيدة أن البيروقراطية واللجان المخملية، نحفظ بها شبابنا ونمنحهم الثقة التامة ليبقوا كما هم حماة للمقدسات والوطن.
والله المستعان.