هناك من يريد أن يستثمر مناسبة اليوم الوطني لتضييق الخناق على من يقدمون رأيا نقديا لجهاز أو مؤسسة أو مسؤول، وثمة بالمقابل من يتحين الفرصة أيضاً لاقتناص المناسبة لتضخيم سلبيات وأخطاء يريد من خلالها أن يحبط أبناء الوطن وبناته، ثمة واقع لابد أن نعترف به وهو أن مسيرة التنمية في بلادنا حديثة وأن كفاءة الإدارة المحلية للتنمية من خلال المؤسسات والأجهزة الحكومية ما تزال في تطوير مستمر للتجربة ويعتريها القصور في غير وجه، ولذا من الخطأ أن نسبغ عليها القداسة فلا نرى فيها أي خطأ أو مجال لتقويم، كما أنه من الجور والخطأ أن ننسف إنجازاتها ونقزمها لأن ثمة جنوح عن الصواب في مجال أو أكثر.
اليوم الوطني يجب أن لا يكون ميدان للجدال بين الفرقاء في الرأي ولا مناسبة لنعمق فيها ثقوب خلافاتنا التي لابد أن نعترف بوجودها، فنمط الحوار الوطني المحلي وللأسف ما يزال يطمر الاختلافات الثرية في المجتمع تحت ركام الخلافات الفعلية والمفتعلة. علينا جميعا أن نؤمن ونعمل لكي يبقى اليوم الوطني بؤرة الضوء الدائمة التي يتطلع إليها من حاصرته ظلمة أو طائف من ليل في مسيرة الخلاف والاختلاف، ونبني جميعا وطنا لنا كلنا ويحتفل به الجميع.
اليوم الوطني ثمرة يقين وإيمان وعمل لرجل لم يوحد هذه الأرض التي تتقطع في السير فيها أكباد الإبل بدم أو ظلم، فالاختلاف والتنوع الذي جمعه عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل طيب الله ثراه في هذا الوطن كان وما يزال القوة والطاقة الكامنة للتنمية ومسارها، لم يوحد عبدالعزيز الإنسان هذه الأرض بالسيف بل بالكلمة الصادقة والإخلاص في العمل وزرع الأمل في يباب الصحاري والهجر والمساواة والعدالة لكل المواطنين. حضور السيف في مسيرة الوحدة السعودية كان فقط لمواجهة أصحاب المصالح الذين لم يكن مفهوم الأرض والوطن لديهم يتجاوز الأشخاص والمصالح والنفوذ.
قبل أيام كنت في أستراليا في برنامج الإعداد الإعلامي لاجتماعات مجموعة العشرين وتبادر إلى ذهني وأنا أستمع إلى النقاشات والحوارات التي تتحدث عن النمو الاقتصادي العالمي ومواجهة التحديات العالمية حجم الثقل السياسي والاقتصادي الذي تحظى به المملكة العربية السعودية لتكون عضوا في أكبر وأهم منظمة عالمية اليوم، إنجاز الملك الراحل عبدالعزيز طيب الله ثراه أن حول هذه البلاد التي كان أهلها يتصارعون على مقومات الحياة إلى أحد أهم الفاعلين في تقديم الحلول للعالم أجمع ومنح أبنائه مقومات الحياة الكريمة... فهل نعي هذا الدرس ؟!