انطلاقاً من المعنى الظاهري للإسلام، والتعريف اللغوي والاصطلاحي له، ومروراً بغايته، وأركانه وأهدافها، وضوابط ممارساتها ومعالجة الخلل في ممارساتها من جهة ومقارنتها بسلوكيات الكثير اليوم من البشر من جهة أخرى..
.. تجد بوناً واسعاً وهوة كبيرة بين الإسلام النظري، أي كما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم والإسلام التطبيقي، أي الذي يمارسه المسلمون، وتتفاوت درجات مخالفاتهم للإسلام، لكنها لم تصل إلى درجة مفهوم الإسلام وتطبيقاته لدى قيادات ومقاتلي جماعة داعش الأمر الذي جعلها تستحق أن توصف رسمياً وشعبياً بأنها جماعة متطرفة وبالتالي إرهابية.
الخلفية الفكرية لجماعة داعش تشير إلى أنها صناعة فارسية صفوية، وبدعم غربي حاقد، إذ صاغت رؤيتها، ورسالتها، وأهدافها، وترجمتها إلى عمليات لا يقبلها الفكر الإنساني المنصف، ونفذت عملياتها باسم الإسلام التي تتعارض مع الخلفية الفكرية السمحة له.
وبمتابعة ممارسات العنف لمقاتلي هذه الجماعة المتطرفة، منذ أن تناولتها وسائل الإعلام المعاصرة المحلية والإقليمية والدولية يمكن توزيعها إلى نوعين، ولكل نوع خطة موضوعية وزمنية والغاية واحدة هي مواجهة أهل السنة والجماعة، ومحاصرتهم، واستغلال خيرات مجتمعاتهم.
النوع الأول ويمكن تسميته بالممارسات المألوفة عن مثل أفراد هذه الجماعة من: القتل وقطع الرؤوس واللعب بها والرجم والتهجير والمطالبة بدفع الجزية ومصادرة المنازل وربط هذه الممارسات بالتهليل والكبير؛ وهدفت هذه الممارسات إلى تقديم الإسلام على أنه دين العنف والقتل والكراهية والتجهم مع الآخرين والمظهر الرديء، وبالتالي العمل تكوين فكرة سيئة وصورة ذهنية مشوهة عن الإسلام.
والنوع الثاني ويمكن تسميته بالممارسات المزيفة للعنف من أجل التشويه من الصورة الذهنية للإسلام والمسلمين لدى جماهير مستهدفة من بسطاء الفكر والحيلة والإرادة، ولا أبالغ إذا أدخلت ضمن هذه الجماهير فئات تعيش في مجتمعات متقدمة مثل أوروبا وأمريكا. ومن أمثلة هذا النوع من العنف: العملية الكاذبة لقتل الصحفي الأمريكي جيمس فولي، وصحفي أمريكي إسرائيلي آخر وهو ستيفن ستولف بقطع رأسهما في سوريا؛ لهدف ظاهري وهو انتقام تنظيم داعش من الضربات الأمريكية التي وجهت لمقاتليه في العراق، لكن الهدف الحقيقي هو شحن الجماهير وتشكيل حالات متطورة من الاحتقان لديهم لقيام بعمليات عسكرية موسعة لتمكين هذا التنظيم وإعطائه شرعية على العراق، وغياب الأمن الإقليمي لصالح إسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى؛ لتحقيق مخطط الشرق الأوسط الجديد وفق خطة سايكس بيكو-2.
والعجيب تطور حالات من السخط الدولي بعد النوع الثاني من ممارسات داعش المتطرفة، فقد نشرت صحيفة الوطن السورية الإلكترونية يوم الثلاثاء 9 أيلول 2014 الأوصاف الدولية لهذه الممارسات، فقد وصفها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بالهمجية وأنها قد تؤدي إلى القيام بعمل عسكري إذا لم تجد المحاولات الدبلوماسية والإنسانية.
ووصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن هذه الممارسات تثير الاشمئزاز، ودعا إلى اجتماع وزاري بريطاني لمساعدة الرهينة البريطاني هاينس الذي يحتجزه تنظيم داعش لئلا تكون نهايته مثل سابقيه الأمريكيين..
أما الرئيس الأمريكي بارك أوباما فقد أخذ فرصته كاملة في تناول هذا العمل، إذ قال إن الولايات المتحدة لن ترضخ للترهيب مشيراً إلى أن التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية سيستغرق وقتاً ويحتاج إلى تحالف دولي حقيقي بحيث لا تعود خطراً على العراق وحسب بل على المنطقة والولايات المتحدة. لذا وجه بمضاعفة الوجود الأمريكي في العراق ليصل إلى أكثر من 1000مقاتل؛ لحماية الدبلوماسيين الأمريكيين في العاصمة العراقية بغداد.
ثم تتوجه موجة الاستنكارات إلى منطقة الشرق الأوسط، إذ وصف وزير خارجية العراق المنتهية ولايته هوشيار زيباربي هذه الممارسات بأنها أعمال وحشية تتطلب من العراق والغرب مواجهتها لهزيمة هذا التنظيم. وطالب زعيم إقليم كردستان مسعود البارزاني في اجتماعه مع السيناتور الأمريكي عن ولاية متشجان كارل ليفين بتوفر الدعم الإنساني والعسكري لشعب الكردستان والبيشمركة ليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم وحماية المكونات القومية والدينية في الإقليم. وطالب زعيم أكبر الأحزاب الكردية في تركيا صلاح الدين دميرتاش بتشكيل جيش كردي موحد للتصدي تنظيم الدلو الإسلامية.
أن من أوجب واجبات أرباب الفكر والقلم كل في مجاله ولا سيما المجالات الدينية والإعلامية والثقافية والتعليمية؛ نظراً لتأثيرها السريع والفاعل والدائم على الأفراد والجماعات، بأن يتصدوا لممارسات هذا التنظيم المتطرف، حيث إن الملاحظ هو ضعف الاهتمام بالقيام بالدور اللازم.
ومن واجب الأسر هو مضاعفة الجهد في احتواء أبنائهم، وعدم الركون إلى المقولة الشائعة الهادي الله، فهم نعمة كبرى من الله وفي الوقت نفسه أمانة عظماء، وهم بلا شك فلذات الأكباد وثمرات الفؤاد تتخذهم قيادات الجماعات المتطرفة دروعاً واقية لها تتفنن في اللعب بعواطفهم وعقولهم باسمي الجهاد والشهادة.
ومن واجبات من كان مع هذه الجماعات ثم تاب أن يسهم في نشر الوعي لدى الشباب بخطورة هذه الجماعات في الحاضر والمستقبل ليس على أنفسهم بل على حرمات المسلمين في كل مكان تحت إشراف مقام وزارة الداخلية.
اللهم أكرمنا بمضاعفة جهودنا في توعية أبنائنا بواجباتهم حيال دينهم ووطنهم، وأكرم شبابنا بالرفقة الصالحة التي تدلهم على الحق وسبل الوصول إليه وتبصرهم بالضلال وسبل الوصول إليه، وأعن كل مسلم غيور على دينه ووطنه وقيادته ومعطيات خطط التنمية في مجتمعه بأن يقوم بواجباته على نحو مثالي. آمين