توصيات الرسائل الجامعية

البحث العلمي هو مجهود منظم يقوم به باحث متخصص في فرع من فروع المعرفة الإنسانية، ويتألف هذا المجهود من عناصر متتالية، ولكل منها خصائص فنية يجب على الباحث أن يراعيها؛ ليقدم بحثاً يستحق بالإجارة والإشادة.

وتعد توصيات الرسائل الجامعية والبحوث العلمية عنصر مهم في حزمة عناصر البحث، حيث لا تكتمل جهود الباحث إلا بتناول هذا العنصر، وتمثل خلاصة مجهوده البحثي ومعايشته للمشكلة المدروسة منذ أن كانت فكرة تلفت انتباهه وتشغل اهتمامه وحتى أصبحت بحثاً متكامل العناصر البحثية. وللتوصيات فوائد كثيرة على الباحثين اللاحقين والقطاعات الخدمية والإنتاجية المستهدفة، إذ إنها تقدم السبل المسؤولة عن الارتقاء بأدائها.

لا تخلو المقررات الدراسية في المنهجية البحثية المقررة على طلبة الدراسات العليا إلا وتشير إلى توصيات البحث في إطار تناولها عناصر البحث العلمي ومواصفات كل عنصر فيتم تحديد تعريفها وأهميتها وخصائصها بل بعض المقررات تستعرض أمثلة للتوصيات النموذجية في عددها وصياغاتها وأفكارها؛ ليتعلمها الباحث ويفعّلها؛ لتكون ذات جدوى.

وتتفاوت أهمية التوصيات في الرسائل الجامعية والبحوث العلمية وفق طبيعة البحث، فمثلاً في البحوث الميدانية تكون التوصيات مهمة جداً؛ لأنها تقدم حلولاً لواقع الظواهر المدروسة، بينما في البحوث النظرية أو الأساسية فإن التوصيات تكون أقل أهمية؛ لأنها هذا النوع من البحوث يستهدف تنمية المعرفة الإنسانية المتعلقة بهذه الظواهر.

يجتهد طلبة الدراسات العليا والأكاديميون في تناول عناصر البحث وعندما يأتون إلى التوصيات تجد فروقاً واضحة في تناولها، ومن الأخطاء الشائعة في كتابة توصيات البحث: ُبعدها عن نتائج الدراسة، وكثرتها نظراً لتناولها كل نتائج الدراسة، وغير محددة، وغامضة، وصعبة التحقق، وتناولها جوانب لا تعاني من مشكلات ولا تحتاج إلى تطوير، وأخطاء في صياغتها، وفي ترتيبها، بل يلجأ بعض الباحثين إلى كتابة توصيات باحثين آخرين تتشابه بحوثهم مع بحوث أخرى في عدد من المتغيرات.

ومن المؤسف أن يتوافر لدى بعض طلبة الدراسات العليا والأكاديميين من أعضاء وعضوات هيئات التدريس في الكليات ومراكز البحوث اعتقاد مؤداه أن توصيات الرسائل الجامعية والبحوث العلمية جزء تكميلي للإنتاج البحثي وتحصيل حاصل، ولن تجد آذاناً صاغية، فيلجأ بعضهم إلى كتابة عدد كبير من التوصيات التي تفتقد الخصائص الفنية لها، وبالتالي قد لا يجد الممارس ما يفيد عمله، الأمر الذي قد يجعل الإنتاج البحثي يصاب بالشلل فيلحق بغيره من الإنتاج البحثي السابق حبيس الأرفف والأدرج في المكتبات. وهذا بلا شك لون من ألوان الهدر في جهد ووقت الباحث والمؤسسة الجامعية أو البحثية التي ينتمي إليها.

لا يجب أن يلوم الأكاديميون الممارسين في القطاعات المستهدفة عندما يتجاهلون توصيات الإنتاج البحثي المتوافر في الأقسام العلمية المتخصصة في الجامعات ومراكز البحوث، فربما أنهم لم يجدوا ما يناسب ظروف قطاعاتهم، إنما اللوم بالدرجة الأولى على طلبة الدراسات العليا الذين يستعجلون في كتابة توصيات رسائلهم الجامعية؛ بقصد الانتهاء منها ونيل الدرجة العلمية المطلوبة، كما يمتد اللوم على المشرفين والمشرفات على الرسائل الجامعية الذين لا يحاسبون طلبتهم على قصورهم، والأدهى من ذلك جرأة بعض الطلبة في تجاهل ملاحظات لجان المناقشات العلمية فلا يجرون عليها التعديلات اللازمة الذي ينسجم مع روح الملاحظات بحجة أن مشرفيهم لن يعقبوا على تعديلاتهم.

يتناول أعضاء هيئات التدريس في القاعات الدراسية أثناء المحاضرات واقع القطاعات الخدمية والإنتاجية ويقدمون انتقادات كمية ونوعية حيال هذا الواقع، ويترضون عن الطلبة الذين لديهم الجرأة في الانتقاد، لكنهم أثناء إعداد طلبتهم لرسائلهم الجامعية قد يقصرون في توجيه السلوك البحثي لهم، وبالتالي يتخلله الضعف والقصور.

لن يسامح طلبة الدراسات العليا -وذلك من واقع خبرة بحثية متواضعة- أعضاء هيئات التدريس الذين ارتبطت أسماؤهم معاً على أغلفة رسائلهم الجامعية إلى الأبد على هذا التقصير، وأهم أهل حق في الحالة. يجب أن لا نعجب من تواصل طلبة الدراسات العليا مع بعض أعضاء هيئات التدريس بعد الانتهاء من كتابة رسائلهم ونيلهم الدرجات العلمية المطلوبة، وفي الوقت نفسه لا نعجب من جفوتهم وصدودهم عن البعض الآخر، فالطلبة مثل الأبناء أن أحسنت لهم وجدت منهم الشكر والدعاء والاحتفاء سراً وعلانية والعكس صحيح.

ومن المؤسف حقاً أنك تجد بعض أعضاء هيئات التدريس يؤكدون على ضرورة النمو العلمي والمهني لطلبتهم وهم لا يأخذون بهذا المبدأ، فأداؤهم التدريسي والبحثي عندما كنت طالباً عند بعضهم هو ذاته عندما أصبحت زميلاً لهم في المهنة ومقر العمل.

كم هو مناسب أن تجعل عمادة الدراسات العليا في كل جامعة جائزة لأفضل رسالة جامعية، وتضع لها حوافز عينية ونقدية، فمن الحوافز العينية هي تبني الرسالة ونشرها بين الجامعات؛ ليستفيد منها طلبة الدراسات العليا في تخصص الطالب، والتعريف بها لدى القطاعات المستهدفة ودعمها، والإعلان عنها في لوحات الجامعة الرئيسة.

وفق الله الجميع لما يحب جل وعلا وما يحبون.