كان أجدادنا يعشقون ويتغنون في الوطن وهو قطعة صحراء ساخنة كما الجمر:
وتستعذب الأرض التي لا هوى بها
ولا ماؤها عذب ولكنها وطن
سئل أحد أجدادنا هل تشتاقك لأرضك؟ فقال:
كيف لا اشتاق إلى رملة كنت جنين ركامها، ورضيع غمامها!
وكنا ألفناها ولم تك مألفاً
وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
كما تؤلف الأرض لم يطب بها
هواءً ولا ماءً ولكنها وطن
فما حيلتنا نحن الأحفاد والوطن اليوم هو مثل سلسبيل جار والعيش فيه آمنا رغدا
كيف لا نحبه وهو مهجة الروح وهو مضغة تخلقت في أنسجة القلب
حين يجئ ذكره تهل المدامع وتلتوي حبال الوتين على خفق ليس كمثله خفق إلا لهذا الوطن الحر المتجلي:
بلد صحبت به الشبيبة والصبا
ولبست ثوب العيش وهو جديد
فإذا تمثل في الضمير رأيته
وعليه اغصان الشباب تميد
حب الأوطان ليست مشاعر فائرة في يوم ثم تهبط وتسكن، إنها جريان هادر لا ينضب ولا يضعف. حب مع عمل. وصدق مع حماية. ودفاع مع شيم وأخلاق. فالوطن الذي لا نحميه لا نستحق أن ننتمي إليه...
الحرية ليست في الرواح والمجيء وليست في الذهاب والإياب في المساء والصباح، الحرية هي في الفكر والعقل واليقين وسلامة المعتقد من الولاء للفرق الضالة والأفكار المبتدعة، الحرية أن تبقى دائما دون وطنك ترخص من أجله الغالي والثمين وتعتبره مثل ولدك أو أعز قليلاً تحرسه من كل أذى وتكون له الجندي المتقد ذهنه يقدح في كل وجه مساس أو تعدٍ.
هذا أحمد شوقي
لا تلوموها، أليست حرة
وهوى الأوطان للأحرار دين؟
في هوى الأوطان مقدرة
لذوي الأخلاق والفطن
أنت في فقر إذا افتقرت
وإذا استغنت فأنت غني
وإذا عزت عززت بها
وإذا هانت فرح فهن
إن إنساناً تقابله
ليس إنساناً بلا وطن