من الصعب تحديد نسبة البطالة المقنعة في الوظائف الحكومية المشغولة، لكنها على أي حال، ليست نسبة قليلة، فكثير ممن يعملون في القطاعات الحكومية يعانون من بطالة مقنعة، سواء كان ذلك باختيارهم لممارسة نشاطات تجارية خارج العمل، أو رغماً عنهم، لأن العمل في هذه الإدارة أو تلك، لا يحتمل أكثر من نصف الموظفين، مما يجعل النصف الآخر بلا عمل حقيقي، فإما أن يبحثوا عن عمل خارج هذا القطاع، أو يقضوا أعمارهم في شرب الشاي والقهوة وقراءة الصحف!
من هنا، يأتي سؤال مهم، قبل الحديث عن زيادة الراتب من عدمها، هل موظف الدولة يستحق هذا الراتب الممنوح له أم لا؟ هل ستمنح الدولة هذا الموظف مالا مقابل جهده؟ أم ستمنحه دخلا في نهاية الشهر، لا يختلف عن الضمان الاجتماعي؟ إذا كانت ستعطي هذا الموظف راتبا يوازي جهده، فهذا أمر يصعب تحديده، لأن هناك من لا يستحق ربع راتبه، وهناك من يستحق ضعف راتبه أو أكثر، وهم من تقوم على أكتافهم الجهات الحكومية، لذلك علينا أن نطور نظام العمل الحكومي، كي يتغير الأداء ويتطور، ونتخلص مما يعيق كثيراً من المهام والأعمال التي تخص المواطن، بسبب هذه البيروقراطية المقيتة!
ما يحز في النفس، أن تُسند دراسة سلم الرواتب الحكومية إلى من لا يعنيهم الأمر، ممن لم يطحنهم العمل الحكومي، أو ممن لم يمارسوا هذا العمل، ويتعرفوا عليه عن قرب، وبالتالي لا يمكن لهؤلاء تقديم الحلول والأفكار التي تعدل وضع الموظف الحكومي، وترفع مستوى الأداء، وهذا أيضاً أمر مهم!
معظم شركات القطاع الخاص، حين تشعر بعبء مرتبات مدفوعة لموظفين لا تجد مقابلها إنجازاً يذكر، تقوم بتقديم عروض مغرية لهم، بمستحقاتهم الباقية حتى السن النظامي للتقاعد، كي يتقدموا بطلب التقاعد المبكر، وتعتبر مكافأة نهاية الخدمة، وتسميها بعض الشركات الشيك الذهبي، وتتخلص منهم بطريقة ذكية، في مقابل توظيف شباب أكثر نشاطا وإنتاجا، وأقل كلفة في المرتبات، بينما في القطاع الحكومية، لم تنجح فكرة أربعة رواتب للتقاعد المبكر، لأنها فكرة ساذجة، ولا تكفي في الغالب لمصروفات رحلة إلى دولة خليجية، ولا تسدد فاتورة مستشفى خاص، بالتالي لم يقدم على هذه الخطوة إلا من لا يعني له شيئا، ذلك المقابل الذي يحصل عليه من الحكومة، فماذا لو تمت دراسة تقديم المغريات للتخلص من أي موظف زائد عن الحاجة، وذلك بحساب المتبقي من راتبه الشهري لو حصل على التقاعد، وضرب هذا الرقم في عدد الأشهر المتبقية له حتى السن النظامي للتقاعد.
هناك ما يقارب مليوناً ومئتي موظف حكومي، لو تم التخفف من ثلثهم مثلا، وتمت زيادة المرتبات بشكل معقول، تحفيزا لزملائهم العاملين والمؤثرين في القطاعات الحكومية، ألا ينعكس ذلك على الأداء الحكومي بشكل إيجابي؟ ومن جهة أخرى يحصل هؤلاء المتقاعدون على مكافأة جيدة، تجعلهم يعيشون بقية حياتهم بعزة وكرامة، ودون الحاجة إلى الآخرين!
أما بقاء الحال بهذا الشكل، فهو مضر بالموظف من جهة، وبالوظيفة والجهة الحكومية من جهة أخرى، فلا الموظف يستطيع مجابهة هذه الحياة بهذا المرتب المتواضع، خاصة مع ارتفاع معدل التضخم، ولا الجهة الحكومية قادرة على تطوير الأداء في ظل وجود موظفين خاملين، يؤثرون سلباً على زملائهم النشيطين.