في تغريدتين ساخرتين حول التحاق الأطفال المستجدين في المدارس، تعكس طريقة تربية أطفالنا، والبيئة التي يعيشون فيها، ورغم مرارة السخرية فيهما، إلا أن فيهما الشيء الكثير، ففي الأول كتب مغرد: ولد أخوي توه داخل أول ابتدائي، وينادي الأستاذ: يا صديق! بينما أجابته مغردة: وأختي دوبها داخلة أولى روضة تسمي المسرح في المدرسة «كوشه» مستقبل طقاقه... انتهى.
وبعيداً عن السخرية فيهما، إلا أنهما يعكسان أمران مهمان، ففي الحالة الأولى يتضح كيف هي علاقتنا غير الحميمة بالأجنبي، منذ الستينيات الميلادية ونحن نتعامل بطريقة استعلائية، حتى وإن اختلفت هوية الأجنبي بالنسبة لنا، فقديماً كان مختلف أبناء القرى والبادية، ممن يهاجرون إلى المدن الكبرى كالرياض وجدة، يتم التعامل معهم كغرباء، قد يتعرضون للمضايقات سواء بالألفاظ العنصرية أو حتى بالقذف بالأحجار حينما يمرون في الشوارع والأزقة، فمثلا كان القادم من جازان موضع سخرية لسكان جدة، كذلك القادم من القصيم يتم ازدراؤه من قبل أهل الرياض وسكانها الأصليين!
بعدها بسنوات تصل إلى عقدين أو أكثر، احتل اليمني مكان هؤلاء الريفيين، وأصبح يتعرض للإهانة والاعتداء، وشمل الأمر جنسيات أخرى، واستمر الأمر لدى الأجيال اللاحقة، والتي اختارت جنسيات وافدة إلى بلادنا، أسهمت معنا في البناء والتنمية، بجانب انتفاعهم مما يتقاضونه من أموال، حتى الجيل الجديد الذي يسمي البنغالي والباكستاني والهندي: صديق، أو رفيق... إلخ.
في الحالة الأخرى للطفلة، يتضح موقف آخر رسمته لها البيئة التي جاءت منها، فهي لم تأتِ من بيئة تحترم الفنون كالشعوب الأخرى، لا تعرف ما هو المسرح، لأن الخشبة في عرفها ومفهومها، هي «كوشة» العروس، وأهم الأمكنة التي يكرسها مجتمعها، هي قاعات الأفراح، والمطاعم، والأسواق التجارية... إلخ.
أعتقد أن أمام سمو وزير التربية والتعليم تحد كبير، لا يتعلق بالتعليم فحسب، بل حتى في إعادة تربية هؤلاء الآتين من بيئات مختلفة، وجعلهم يتقنون فن التعامل مع الآخرين، قبل النهل من العلوم والمعارف المختلفة، على الأمير الشاعر والفنان خالد الفيصل، أن يختار فريقاً مختصاً، مهمته إعلاء قيمة الفنون، بكافة أشكالها وأجناسها، مسرحاً وتشكيلاً، وجعلها أحد عناصر التعليم الحديث، وأن يصبح المسرح مسرحاً، لا كوشه أعراس، وأن يصبح المعلّم معلّماً، لا صديقاً ولا رفيقاً!
وكذلك الأمر يرتبط بالبيت قبل المدرسة، فهذان الطفلان لو كانت بيئة ما قبل المدرسة التي عاشا فيها بيئة صحية وجيدة، لما قادتهما مخيلتهما إلى هذه الاستنتاجات الخاطئة، فلم يصبح المعلم عاملا أو سائقا، ولم تصبح خشبة المسرح، كوشة عرس، أو ما شابه ذلك.