هل سألت نفسك ذات يوم عن سر تميز بعض الناس وكونهم محبوبين ويملكون شعبية كبيرة, يذكرون بخير في حضورهم وغيابهم بالرغم عدم بذلهم لجهود كبيرة جدا، ورغم هذا يحققون نتائج غير عادية!!
في الوقت الذي يكد ويكدح غيرهم ومع هذا لا يحققون إلا نتائج ضعيفة على مستوى العلاقات!
دونك السر!
أولا تذكر أن حسن النية وحدها لن تسعفك كي تكسب قلوب من حولك وأن تحظى بتقديرهم واحترامهم! فالأمر يتطلب أدوات تتعلم ويحتاج إلى مهارات يكتسب!
ومن أهم الأدوات المعينة لك لكي ترتقي لمكانة علية في قلوب الناس هي قدرتك على الثناء عليهم بصدق!
وفي القرآن تأسيس لتلك لفضيلة الثناء فثمة آيات كثيرة تثني بعذوبة منها قوله سبحانه (( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)) وقوله عزوجل عن أيوب (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) والثناء الخالد لقرة العين اللهم صل وسلم عليه بقوله (( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
ومن يتأمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه يُثني علــى أصحابه في مواقف عدة. ومنها: قوله لأشج عبد القيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة»، وقوله لأبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لِمَا رأيت من حرصك على الحديث»، وقال ـ أيضاً ـ: « خيرَ فرساننا اليوم أبو قتادة، وخيرَ رجالتنا سلمة»، بل ومدح الجمادات وقال (نعم الإدام الخل)!
والمتأمل في حالنا اليوم يشعر بالجفاف الكبير في العلاقات وسرعة نشأة التوتر بينهم! وأحسب أن من أهم الأسباب هو تفشي ثقافة النقد والجارح منه؛ تحديد فتجد جملة البشر إذا ما وقعوا على خطأ لأحدهم أو أدركوا زلة له أو انكشف لهم عيب هجموا على صاحبه ونالوا منه وسلقوه بألسنة حداد! وأما حسناته فتجدهم يتعامون عنه وقد يدفنون جبال الحسنات مقابل خطأ واحد!
وأحسب أن من علامات عدم توفيق الإنسان هو عدم إتقان مهارة الثناء على من حوله! وما أشقى هؤلاء؛ فقد فوتوا على أنفسهم دربا ميسرا يخترقون به القلوب وأهملوا وسيلة لا تكلفهم مالا ولا ذهبا! وما أدرك هؤلاء الحقيقة الجميلة وهي أن كونهم يعلون بأنفسهم من خلال العلو بالآخرين! وهو ما يقدمه الثناء الذي يعمل على تحفيز المخ ويساعده على إفراز مواد (الببتيدات) العصبية وهي مواد مخدرة طبيعية وكذلك (الاندروفينات) وهي هرمونات السعادة، والمفارقة الجميلة أن كلا الطرفين يحظى بهذين الأمرين .. من يثني ومن يتلقى الثناء! وفي حالات كثيرة يكون أن المستفيد الأول من الثناء هو من أثنى خاصة إذا ما كان العمل الممدوح يخصه لأن المثنى عليه غالبا سيكرر مافعل!
والسؤال: ما الذي يمنع كثيرين من الثناء على الآخرين بالحق؟
ربما كان الحسد والغيرة أو عدم اليقظة لسلوكيات الآخرين الإيجابية، وقد تحول المعايير العالية بيننا وبين التصفيق لبعض النجاحات التي لم تصل لمرتبة متقدمة من الكمال!
إنّ دروبَ الحياة - حتى الممهدة منها والمضيئة - تستحيل وعرة مظلمة كئيبة موحشة إذا ما سرنا فيها لوحدنا، نعمل وننجز ولا ثمة لسان يثني ولا يد تصفق وعندها ربما تخبو جذوة الحماس وتذبل ورود الروح! ومتى ما أحاطت بنا تلك القلوب النابضة التي ينصح أصحابها برفق ويثنون بصدق فعندها سيتعاظم الإنجاز ولن نشعر بغربة في لحظات الانكسار!
ومن أجمل الثناء وأبلغه ما يسمى بـ(الثناء المنقول) وهو عمل يدل على ذكاء عقل وطهارة قلب ونقاء روح وثقة نفس ومفهوم الثناء المنقول يعني: أنك عندما تسمع ثناء على أحدهم في غيبته أن تبادر من فورك بالتواصل معه وإخباره بهذا الثناء الذي سمعته؛ فإن له أثرا بالغا ووقعا عظيما وهو يمثل إيداعا كبيرا في مصرف الحب وبنك المشاعر! خطوات عملية:
كيف تقوم بالثناء؟
1. لتكن يقظا راصدا لتصرفات من حولك الإيجابية وصفاتهم الطيبة.
2. اعتن بأن يكون ثناؤك مخلصا لا مصلحة من ورائه وأن يكون ثناء صادقا لا كذب ولا مبالغة فيه.
3. إن مدحت فامدح أمرا (محددا)؛ فقولك لأحدهم: (أنت شخص رائع) هو ثناء عام جيد ولكنه ليس بجودة قولك أنت متحدث بارع!
4. اعتن كذلك أن تذكر الممدوح بالوقت والمكان والفعل الذي مدحته من أجله وهو ما يعين الممدوح على تعزيز قوته والقيام به مرة أخرى.
5. قدم ثناءك بأسرع وقت ممكن بعد الفعل الذي وجدته يستحق الثناء فذكره وهو حاضر في الذهن لاشك أن له أثرا أبلغ.
وأخيرا اجعل من الثناء هواية لك بل مهنة، وستجد مايذهلك من النتائج، وتذكر أن المقربين أولى الناس بهذا الخلق!
ومضة قلم:
أصعب شيء يمكن تعلمه في الحياة هو أي الجسور يجب أن تعبرها، أيها يجب أن تهدمه!