وعندما نتحدث عن أكثر البشر موهبة في أغلب مجالات الحياة، فلا أشك أن العبقري دافنتشي سيكون أبرز المرشحين لهذا اللقب والذي صيغ مصطلح (رجل النهضة) من أجله Renaissance man)), فلو كان ينحت فقط؛ لكان أعظم نحات، ولو لم يكن غير رسام؛ لكان الرسام الأول، ولو تخصص في علوم التشريح فقط؛ لكان أستاذاً متقدماً، ولو أنه قضى حياته معمارياً؛ لفاق أقرانه بمسافات!
فما الذي ميز هذا الأسطورة؟ أهي مواهبه؟ أم بيئته؟ أم حظه؟ أحسب أنّ الأم أكبر من هذا وذاك! فالموهبة وحدها تضمر إذا لم تستثمر والعقل يتوقف إذا لم يستمر في التعلم! إنّ ما ميز هذا العبقري هو كونه رجلاً ذا قابلية عجيبة وقدرة فذة على التعلم، وقد دلت على هذا مذكراته - اشترى بيل جيتس إحداها بنصف مليون دولار - والتي دليلاً جلياً على أنه يملك عقلاً لا ينقطع أبداً عن التعلم ؛ فالعظماء يدركون أن خط النهاية بعيد, وأن أمامهم الكثير والكثير مما يجب أن يتعلموه حتى يكونوا أفضل! والمدرب الكبير (جون وودن) يؤكد هذا المعنى بقوله : إن ما نتعلمه بعد أن نعرف الكثير هو المهم!
وروي أن أحد تلاميذ ( أبي الريحان البيروني) دخل عليه وهو يحتضر فقال له الإمام: كيف قلت لي يوماً: حساب الجدات الفاسدة - وهي التي تكون من قبل الأم -؟ فقال له تلميذه إشفاقاً عليه: أفي هذه الحالة؟ قال لي: يا هذا! أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيراً من أن أخليها وأنا جاهل بها، فأعدت ذلك عليه، وحفظ، وعلمني ما وعد، وخرجت من عنده وأنا في الطريق سمعت صراخ أهله فقد مات الإمام!
ويذكر عن العالم الروماني (كاتو) أنه بدأ يدرس اللغة اليونانية وهو في السن الثمانين، عندما سُئل عن سر إقدامه على تلك المهمة الشاقة وهو في هذه السن، رد بقوله: هذه أصغر سن متاحة لي الآن!
إنّ أكبر عائق تجاه تقدم البشر هو أنفسهم ؛ فالنجاح هو عدو النجاح الأول؛ وبيان هذا كون الإنسان إذا ما نجح ووصل إلى القمة فترت همته وسكنت، فيضعف العطاء تدريجياً دون يشعر وتتراجع طموحاته حتى تدفن وهو لا يحس!
وإن أردت أن تتفوق في حياتك وتصل إلى ما وصل إليه العظماء، فلابد أن تتنفس النجاح يأكل ويشرب معك ؛ عندها ستجد نفسك شخصاً مفكراً متأملاً متجدداً تعمل بحماس وتنتج بإتقان.
والذكي الفطن يدرك أن التعلم عملية مستمرة وليست حدثاً منفرداً فيتوقف على كتاب يُقرأ أو شهادة تُنال؛ فالتعلم أسلوب حياة وليس مجرد محطة! ومتى ما كان الإنسان عاجزاً عن التعلم المستمر فلن ينفعه ذكاؤه ولا موهبته ؛ فالكثير من البشر يملك موهبة عظيمة وإمكانيات هائلة وقدرات عجيبة وربما امتلكوا مؤهلاً عالياً، وكل هذا لن يكون نافعاً لهم إذا ما توقفوا عن التعلم!
ومن شر أعداء التعلم هو (التكبرُ) على المعرفة والتعلم, يرى نفسه البحر الزاخر والمجد الباهر، وأن لا أحد يجاريه علماً وفضلاً! وهذا جهل وسقم ؛ فالعاقل يدرك أنّ هناك من هو أعلم أياً كان حاله على الأقل في موضوع معيّن، وتأمل في موقف موسى عليه السلام مع الخضر {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}، ففيه تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه، فإنّ موسى - بلاشك - أفضل من الخضر، وانظر كيف أخذ سليمان عليه السلام وهو نبي من أعظم ملوك الأرض من هدهد! ولا يتكبر على العلم إلا أحمق قصير النظر، ولمن يعاني من تلك المعضلة إعادة حساباته بالسيطرة على الكبر وكبح جماحه واستحضار نتائجه.
وأنت لكي تصبح متميزاً مبدعاً منتجاً لا تحتاج لموهبة كموهبة دافنتشي؛ فكل ما تحتاجه هو موقف ذهني سليم تجاه مبدأ (التعلم المستمر)، وحتى أساعدك على إدراك هذا المبدأ دونك تلك النقاط :
1. طور مهارة (الإنصات) عندك؛ فكل من تفوّق وعظمت حصيلته المعرفية كان منصتاً جيداً؛ فمن يتحدث باستمرار لا يمكنه أن يتعلم!
2. من التقنيات الجميلة في موضوع التعلم هي تقنية (غداً أفضل) وتعني أن تتأمل في تصرفاتك بشكل يومي ثم تتأمل فيها ثم تضع تصوراً لما كان يجب عليك أن تفعل ثم تعقد العزم على فعله إن تكرر المشهد!
3. كن راصداً للمواقف منتبهاً للأحداث التي تمر عليك وعلى غيرك يقظاً تجاه القوانين الكونية.
4. حسّن ما تقوم به على نحو دائم، واجعل دائماً من تجاربك معلماً دائماً لك, ولا تتوقف عن العمل والتحرك الإيجابي ولا تنشد الكمال فتضعف وتشقى، وتذكر دائماً أن هناك أسلوباً أفضل وأداءً أجمل لكل عادة اعتدت عليها ؛ فابحث عنه!
5. اجعل في يومك وقتاً لا يقبل الاستثناء لقراءة أو مشاهدة ما ينفع، إما كتاب مفيد أو مشهد تحفيزي أو الالتقاء بصاحب فهم وعلم
ومضة قلم:
إن أردت إنجاز المزيد ؛ فيجب أن تكون أفضل مما كنت عليه!