بدت سيدة الأعمال اليابانية «ميوشي» بكامل حشمتها وهي ترتدي عباءة وتغطي شعرها الناعم الداكن ككل اليابانيين، وجاءت من بلدها تعرض سمكها النفيس، حيث يصل سعر سمكة «الشبوط» مليون ريال!!
وتعزو السيدة اليابانية غلاء سمكاتها لأنها تقوم بتربيتها في هيروشيما وتعمل على تكاثرها بشكل خاص وتشرف على تزاوجها للخروج بألوان مختلفة وزاهية!
والحق أن المصدر الذي نقل الخبر لم يستكمل الحدث، حيث لا نعلم هل باعت سمكاتها أم رجعت بها إلى بلدها خائبة خاسرة؟!
ولكيلا تندهشوا؛ فإن السمك الياباني المقصود لم يربَّ للأكل وإنما للزينة فحسب! فهو يستطيع العيش في مياه عذبة وأقل ملوحة من مياه البحر الأحمر. وليس هذا هو السبب الذي دفع سيدة الأعمال لعرض سمكها في بلادنا، حيث كانت صريحة وواضحة ولديها من الشفافية -ككل اليابانيين- لتقول:( لا توجد دولة يناسبها سمك الشبوط الياباني سوى المملكة لكونها دولة مرفهة، وفيها العديد من الأثرياء الذين يعشقون الزخارف والأشكال والألوان الجميلة التي لا توجد إلا في مزرعتي المائية)!
وأجزم أنها على حق في توقّعها، فحتماً هي قد سمعتْ عن «مزاين الإبل» ومهرجاناتها السنوية، كما قرأتْ عن مزاين التيوس والحمام وحتى الدجاج!!
لم تخطئ المرأة حينما توجهت لبلادنا لعرض بضاعتها بكل ثقة، وهو مما يحز في النفس، ولكنه من الحقائق التي لا ننكرها، طالما كانت همومنا لا تتعدى المعدة والمظاهر!
وأود أن أبرر للسيدة «ميوشي» بخجل وأقول لها: إن سبب ارتباطنا بالجمل لأنه صديق المواطن وسفينة الصحراء ويستطيع الصبر عن الماء لفترة طويلة؛ كون بلادنا صحراوية ويهدّدنا العطش لولا أنابيب التحلية التي تصب في مدننا الصحراوية، فكيف عن سمكك الذي لا يعيش إلا في الماء؟! كما أن السمك ليس من الثقافة المتأصلة في وجداننا كالجمل، فسكان المناطق الداخلية يتأففون من رائحته ولا يقبلون على أكله! ولم يكن يوماً رمزاً لسكان السواحل، حتى ولو أكلوه!
أخطأت -وأنا أختك- فالإبل عندنا تسمى (عطايا الله) ولا أدري تحت أي مسمى تصنف سمكاتك؟!
وأرجو أن تكوني قد وصلتِ متأخرة لأني آمل بأن المجتمع أصبح أكثر وعياً، وصار يمقت الإسراف وينتقد الإفراط ويكره المظاهر. ويشقى في لقمة عيشه. فهو الآن يناقش أحقية الإسكان الحكومي، ويرقب بشوق (المترو) يمخر عباب الرياض لنستغني عن بعض سياراتكم التي ملأت شوارعنا وحصدت أرواح كثيرٍ من مواطنينا.
أخطأتِ، فغداً قد نأتي لبلدكم وتغزو منتجاتنا أسواقكم وأنت ما زلت أمام سمكاتك تتمعنين بألوانها الزاهية.