مع بداية الموسم الدراسي الجديد، تحدث وزير التربية والتعليم في كلمة جميلة عن عناصر العملية التعليمية، وبالذات المعلم، العنصر الأهم في قيادة التعليم، وتطوير مخرجاته، ولأننا تعارفنا في مجتمعنا على أن مهنة المعلم هي أفضل المهن للتسبب، وكسب الرزق في مجالات العقار والأسهم، خاصة أن كثيرا من اجتماعات المعلمين خلال الفسح بين الحصص، اشتهرت بالبيع والشراء في كل شيء، من العقار والسيارات، إلى الجوالات والسيارات والمسابح والساعات... إلخ.
وكلنا ندرك أنه من الحالات النادرة أن يتحاور المعلمون حول شؤون المدرسة والتلاميذ ووسائل التعليم، والأفكار التطويرية، لذلك كان كلمة الوزير الفيصل في مكانها، خاصة حينما قال: «يجب أن يتعاهد ويعاهد مدير المدرسة، وفريق إدارتها ومعلموها، على أنه لا مكان بعد اليوم في مجتمعنا التربوي، لمن ينظر لهذه المهنة الجليلة على أنها مجرد مصدر رزق سهل، لا يحول بينه وبين نيل راتبه منها، سوى بضع ساعات دوام يمضيها كيفما اتفق!».
ورغم أنني، ومن خلال مقالات كثيرة كتبتها من قبل، أتفق تماما مع هذه الرؤية، التي تطالب المعلم أن يستشعر المسؤولية جيدا، خاصة أنها مهنة جليلة ونبيلة، يمكن أن تخرج لنا جيلا مسؤولا ومنضبطا، بالإضافة إلى كونه جيلا متعلما، أو أن يكون خلاف ذلك، إلا أنني سأتوقف قليلا عند تلك المطالبات، التي لن تتحقق إلا إذا حاولنا أن نتقمص شخصية المعلم، ليوم دراسي واحد، كي نتفهم أسباب انخفاض مستوى الأداء لدى كثير من المعلمين.
لست مع من يرى معاناة المعلم ماديا، لأن مرتبه يعتبر متواضعا، لأن هذا الأمر ينسحب أيضا على الموظف الحكومي أيضا، وعلى فئات من العسكريين في المرتب الدنيا.. لذلك سأتجاوز هذه النقطة، التي هي مشكلة عامة تخص المرتبات الحكومية على المستويات كافة، التي لم تستطع الوقوف أمام تضخم المستوى العام للأسعار.
لذلك سأتناول نقطتين مهمتين، تخصان الحالة اليومية للمعلم، إحداهما تخصه لوحده، والأخرى يشترك فيها مع الطلاب، فالأولى ترتبط بنصاب المعلم من الحصص الأسبوعية، حيث يشتكي كثير من المعلمين من كثرة الحصص الأسبوعية التي تخصص لهم، بما يجعل من المستحيل أن يقوم المعلم بتطوير أدائه في الصف، والسبب في ذلك تواضع أعداد المعلمين في مدرسة ما، قياسا بعدد الفصول والطلاب، رغم وفرة خريجي الجامعات في المجالات التربوية المختلفة، الذين ينتظرون التوظيف لسنوات، لذلك فإن أسهل طريقة لتخفيف أنصبة المعلمين من الحصص، هو فتح التوظيف بشكل كبير.
والنقطة الثانية هي كثافة عدد الطلاب في الفصول، بالذات في المدارس الحكومية، قياسا بالمدارس الأهلية، مما يجعل المعلم غير قادر على العطاء بشكل فعَّال، والطالب أيضا غير قادر على الاستيعاب والتفاعل مع المعلم والدرس.
ولعل حل النقطة الأولى بتوظيف معلمين جدد، سيسهم في تقليل عدد الطلاب داخل الفصول، فضلا عن تخفيف نصاب المعلم من الحصص الأسبوعية.
أعتقد أن حل هاتين النقطتين المؤثرتين، ووضع البرامج التدريبية للمعلم، وإنهاء المدارس المستأجرة، التي لا تتحقق فيها أبجديات وشروط التعليم الحديث، أهم من القفز إلى مراحل متطورة، كاستخدام وسائل التعليم الحديثة، أو التعليم الإلكتروني، وما شابه ذلك.