الإنسان يموت ويبقى ذكره وعمله يذكر به, وقد تبادرت هذه المقولة إلى ذهني وأنا أدخل الصرح العلمي الفكري الأمني الكبير « جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية» التي لقّبها أحد المحاضرين في ندوتها الثلاثاء الماضي بـ«الجامعة العربية» أثناء ملتقاها العلمي «دور التعليم والإعلام في تحقيق أمن اللغة العربية», والذي تشرفت بإلقاء ورقة د. بلال البدور نيابة عنه.
هذه الجامعة تظل تذكر برجل الأمن الأول الذي لطالما كان له دور عالمي في مكافحة الإرهاب وتجارب يحتذى بها, رحمه الله فإن ذكره باقٍ وصرحه يذكر به في كل حين.
الحوار ووسائل التواصل الاجتماعي فتحت وسائل التواصل الاجتماعي كما ندرك آفاقا رحبة للحوار بين متعاطيها, ولعل شعوبنا العربية الأكثر استعمالاً لها حسب استطلاعات كثيرة, لكن هل يا ترى استخدمت بالشكل الذي لا يقتصر على التسلية ومضيعة الوقت؟ هل استغل كونها مجانية لذلك وقعت بيد الصغير والكبير وكل أولئك الذين يعيقهم التواصل بثمن؟ كيف استغلت مجتمعاتنا هذه الوسائل وكيف كانت طريقة الحوار عبرها؟ لا ننسى أن هذه الوسائل نقلت أخباراً بسرعة البرق, بغضّ النظر عن صحة معظمها أو عدمه, وكانت وعاءً يتسع كل الآراء السريعة والآنية التي تتلو كل حدث, وكانت المتنفس للكثيرين الذين وجدوا بها ملاذاً للتعبير و( فشة الخلق) على قولة إخواننا اللبنانيين, كانت هناك ردود فعل سريعة وعنيفة دون تحري صدق الخبر أو التأكد منه, حتى تلك الأخبار الأكيدة أخذت لها بعداً آخر بسبب آراء لأشخاص متعنتين.
وفي أحايين كثيرة تحولت هذه الشبكات لحلبات تصارع وتقاذف الاتهامات والكلمات التي لا تليق, ثم لأنه لا حسيب ولا رقيب على الأشخاص الذين استعملوا أسماء مستعارة كخفافيش الظلام، فقد بالغوا في ردود أفعالهم وشتائمهم واتهاماتهم.
نظام الجرائم الإلكترونية الذي أقرته الدولة كان ملجأ لكثير ممن تضرروا من هذه الوسائل الإلكترونية التي ظن من يتعامل بها بخبث وعشوائية أنهم ناجون, وأنه من غير الممكن تتبعهم.
كانت وسائل التواصل اختباراً سقط به كثيرون، وأزيحت الأقنعة عن وجوه قبيحة توارت خلفها, وكان الحوار في فترات قليلة سيد الموقف, الحوار الذي كان من الممكن أن يكون ناجحاً عبر هذا الفضاء الرحب الذي جعل من الكون قرية صغيرة.
عبر التويتر والفيس بوك أقفل الاختلاف أبواب حوار فتحت على قضايا كثيرة, كما عرّى أشخاصاً كنا من قبل نرسم لهم في مخيلتنا صوراً تختلف عن واقعهم, فهل نقول شكراً لهذه الوسائل التي جعلت كل المسافات التي تفصلنا وهمية؟ أم اذهبي بعيداً عن متناولنا لأنها كانت وسائل لقطع تواصلنا العائلي ونشوب النزاعات بين متعاطيها ؟ وقد تعدّى على استعمالها أعوام فهل أصبح لدينا ثقافة كافية لاستعمالها؟ وكيف يمكن أن نقي أبناءنا شر ما تأتي به من أفكار كونها أبواقاً سهلة لبعض المجرمين؟ كفانا الله شرها ومنحنا خيرها بإذنه وحمى أوطاننا وأولادنا كل شر.