لا تظن عزيزي القارئ أن هناك مهرجاناً جديداً غير مهرجان كان السينمائي قد بزغ في كان وأود أن أتحدث لك عنه، لكن هناك مهرجاناً من نوع آخر للعرب الأسبقية فيه. المهرجان الذي أعنيه ليس مهرجاناً يضم اختراعات نادرة، كما هو ليس مهرجاناً سينمائياً، أو مسرحياً، ولا أستطيع أن أقول أيضاً إنه عرض أزياء لملابسنا التقليدية، ولا معرض للكتب، بل هو عرض يثير الضحك والحزن في آن.
مدينة كان الفرنسية تعد ضمن سلسلة المدن المميزة في جنوب فرنسا والتي تتميز بمعانقتها البحر الأبيض المتوسط، ويقصدها عدد كبير من الزوار بخاصة في فترة الصيف الذي يوافق الإجازة الصيفية وأجواء دافئة مناسبة لمحبي السباحة والشواطئ، ولكني فوجئت هذا العام الذي يبعد كثيراً عن زيارتي السابقة لها بازدحام خانق وعدد كبير من العرب الذين لم يذهبوا للنزهة والاستجمام والاستمتاع بالبحر ورياضة المشي، بل أقاموا مهرجاناً لاستعراض السيارات الغالية الثمن والتي رصفت بها الشوارع، وكانت مواقفها أمام الفنادق الفخمة التي يقطنها أصحابها، وقد تسابق المارة الأجانب لتصويرها، وقد ازدحمت بها الأرصفة والشوارع وتحولت المدينة لحلبة كبيرة للاستعراض والازدحام.
وقد يثير القارئ ما أثارني؛ فهل هذه المبالغة وهذا التوجه هو ما يميز شبابنا؟ هل هذه هي ميولهم: استعراضية ولما ليس لديهم يد في تصنيعه؟ هل يمكن لهم أن يكونوا خارج ما يحدث في وطننا العربي ويخرجوا من إطار النزف والجرح الكبير الغائر في قلب أمتنا، فلم تعد فلسطين الوحيدة قضيتنا الأزلية المتجددة وما حدث في غزة من جرائم صهيونية هزت العالم، لكن الآن هناك سوريا والعراق وليبيا وما استعصى قوله!
لماذا بعض شبابنا فريسة سهلة لهذه التفاهات والمظاهر الزائفة ولكل من يحاول العبث بأفكارهم وغسل دمائهم؟
لعله سؤال مشروع بعد ما حصل في تجنيدهم في داعش وبعدما استعرضت من شغفهم لما لا ينبثق من حضارة بلدانهم وتاريخها وبطولة شجعانها!
أصبحوا فرجة للعالم سواء في نشرات الأخبار أو مقاطع اليوتيوب أو في كان.
***
الإبداع الذي يصنعه المتفرغون لوسائل التقنية ليس إبداعاً إيجابياً يضاف لأولئك الذين يعبثون بالمصداقية وما يشوهون من مقاطع فيديو أو أخبار مفبركة أو صور فوتوشوب، فلو وجهت طاقاتهم لاستطاعوا الإبداع في مجالات تخدم البشرية وقد تدخلهم موسوعة جينتس.
الله يرحم برنامج افتح يا سمسم الذي ما زال في الذاكرة حتى الآن والذي كان يقدم ما يقدم من فقرات تربوية وتعليمية وترفيهية أخرجت جبلاً مثقفاً واعياً محصناً بالعلم والفكر، أين شركات الإنتاج العربية اليوم من هذا الإنتاج الخليجي المشترك الذي كان وما زال عملاً تلفزيونياً راقياً مميزاً راسياً في الذاكرة!
من أول البحر
القمر هذه الليلة يدعوني أن أسهر قبالته على الشاطئ الذي يترقرق الموج قريباً منه، ذلك الموج الثائر الذي يحمل النور المتساقط من سديم البدر في ليلة يكتمل فيها.