عصابات داعش والقاعدة والنصرة وأنصار الشريعة وفجر ليبيا ترتكب فظاعات وحشية لا سوابق لها في التاريخ الإسلامي والعربي، لكن لا مفر من الاعتراف بأنها محسوبة على الإسلام السني العربي بالذات، فكريا ومذهبيا وجغرافيا، بالإضافة إلى غلبة المكون العربي السني في الأفراد والانتحاريين والناطقين باسمها. لعل هذا الاعتراف يزيل اللبس عن شبهة التحيز المذهبي وسوء الفهم بأن في المقال محاولة مقارنة متحيزة لعصابات مذهبية متوحشة دون غيرها من العصابات المتواجدة على نفس الساحة ولا تقل سوءا ووحشية.
لكن، وهذه ليس للاستثناء وإنما لتعميق الفهم حول الإرهاب كظاهرة، يجب التساؤل، لماذا تتركز العيون الإعلامية العالمية على القسم السني العربي من الإرهاب دون غيره.
حتى وبعد أن كتبت وتحدثت مرارا وتكرارا محذرا من خطر الإرهاب المحدق بالوطن والدولة، بما تحملانه من معاني الحياة والبقاء، إلا أنني لن أقاوم تسجيل تحفظاتي الشخصية على المفهوم الإعلامي الموجه دوليا، في فرز صورة أحادية ومنتقاة من صور الإرهاب المتعددة، ثم تقديمها عالميا وإسلاميا وعربيا ومحليا على أنها الوجه الوحيد للإرهاب. حسب قناعاتي الشخصية، استنادا على استقراء شخصي لظواهر الإرهاب أعتقد أن ما يدور في المنطقة من أنواع الصراعات هي حروب استراتيجية تتحكم في مفاصلها دول إقليمية وغير إقليمية، وليست حروب عصابات.
المثير للانتباه أن كل هذه النزاعات وما تسببه من أهوال تتركز في مسرح جغرافي واحد، هو الجزء العربي من العالم. من الواضح أيضا أن المكون العربي في هذه الصراعات يتم تقديمه للعالم على أنه هو المحرض والفاعل والقاتل، بالرغم من كونه القتيل الحقيقي في المعادلة.
بهذا التصوير يتم تقديم الإرهاب عالميا على أنه عربي سني موجه ضد كافة المكونات الأخرى، ولكن هذا التصوير مسيس ومقصود واختياري وظالم، وهذا ما سوف أحاول شرحه.
التمعن في الواقع الإرهابي، تنظيرا وتمويلا وممارسة، يدل على وجود أربعة مصادر على الأقل لانتشار الإرهاب، ولكن مع تركيزه التدميري في المنطقة العربية من الشرق الأوسط تحديدا:
النوع الأول من الإرهاب: الإرهاب الصهيوني الواقع على عرب فلسطين في داخل ما يسمى «إسرائيل» والضفة الغربية، وبأوضح تجلياته وعنصريته واحتقاره للإنسانية في غزة. الإرهاب الصهيوني مبرمج من ثلاثة عناصر قاتلة هي الآلة العسكرية الرسمية (يسمونها بخبث جيش الدفاع الإسرائيلي) والعصابات الصهيونية التوراتية والإعلام السرطاني الذي يقدم العربي كوحش همجي أكبر همومه قتل اليهود الأبرياء. هذا الإرهاب الثلاثي البرمجة قائم ومستمر منذ أكثر من ستين عاما ولا أحد يتكلم عنه إلا بالخير والدعم المادي والمعنوي.
النوع الثاني من الإرهاب: الإرهاب الشيعي الطائفي الإيراني المسلط على العرب في العراق وسوريا ولبنان واليمن. في العراق يقدم ذلك للعالم على أنه مجهود عراقي أمني حكومي للتصدي للإرهاب العربي السني، تغاضيا عن أن ممارساته الإجرامية تفوق الممارسات الإجرامية للقاعدة وداعش والنصرة وكافة أنواع الإرهاب العربي السني بعشرات المرات، كما ونوعية وعنصرية.
في سوريا هناك حضور إيراني عسكري وتمويلي، بتحالف طائفي علوي ولبناني مذهبي، مع نظام حكم مستبد وطائفي لا يوجد له مثيل في القبح ولا حتى في كوريا الشمالية. إرهاب هذا التحالف يوجه ضد مكونات الأغلبية السورية، وهي عربية سنية، لكنه يقدم إعلاميا كحالة حرب بين النظام الحاكم وحركات تمرد. التركيز في هذا الصراع إعلاميا يهتم أولا بتفاصيل الجرائم التي ترتكبها المنظمات الإرهابية المحسوبة على العرب السنة، مع القليل من الأرقام والصور عن ممارسات حزب الله اللبناني وشبيحة الأسد بما لا يكفي للمقارنة بين جرائمها وجرائم الأطراف الأخرى في المذابح السورية.
في اليمن لا تتنكر الحركة الحوثية (أنصار الإسلام) لارتباطها العضوي المالي والمذهبي بإيران، وهدفها النهائي المعلن هو إسقاط الدولة وبناء شرعية جديدة لحكم اليمن.
التكملة في الحلقة الثانية بعد يومين.