تعتبر مجلة The Lancet (المبضع) من أفضل وأشهر المجلات العلمية إن لم تكن أشهرها في نشر الأبحاث والإنجازات الطبية على مستوى العالم. تأسست مجلة اللانست عام 1823م في بريطانيا، ولها مكاتب تحرير رئيسية في لندن ونيويورك وبكين.
نشرت المجلة بتاريخ 23/7/2014م، أي قبل أيام قليلة خطابا موقعا من أربعة وعشرين طبيبا موجها إلى كل أطباء العالم تحت عنوان: خطاب مفتوح من أجل سكان غزة.
يبدأ الخطاب هكذا: نحن كأطباء وعلماء نستهلك أعمارنا في تطوير الوسائل لتوفير العناية والحماية الصحية للبشر.
نحن أيضا أناس يعرفون مجريات الأمور ومطلعون وندرس الطلبة أخلاقيات المهنة الطبية بالإضافة إلى علومها وطرق ممارستها.
سبق لنا جميعا أن عملنا في غزة واطلعنا على الأجواء هناك لعدة سنوات.
إننا، بناء على أخلاقياتنا المهنية وطبيعة عملنا نستنكر ما أصبحنا شهودا عليه من عدوان تمارسه إسرائيل على غزة، ونتوجه بالطلب من زملائنا وكوادرنا في المهنة الطبية أن يستنكروا العدوان الإسرائيلي على غزة.
إننا نعلن تحدينا ورفضنا واعتراضنا على السقوط الأخلاقي للدعاية الإعلامية الإسرائيلية التي تعمد إلى خلق موقف طوارئ للقيام بمجزرة، تحت مسمى الدفاع عن النفس.
إن ذلك في حقيقة الأمر عدوان غاشم، بمدى ومدة وشدة غير محددة.
إننا نريد تقديم الحقائق كما نراها وبما ينتج عنها على أرواح السكان هناك.
إننا نعلن انزعاجنا من الهجمة العسكرية على المدنيين في غزة خلف قناع معاقبة الإرهابيين.
إن هذا العدوان هو الثالث بهذا الحجم العسكري الكبير على غزة منذ عام 2008م.
في كل مرة كان من يتحمل العبء الأكبر من القتل الناس الأبرياء من مواطني غزة، خصوصا النساء والأطفال، تحت العذر المرفوض الذي تقدمه إسرائيل بحجة القضاء على تلك الأطراف السياسية الرافضة والمقاومة للاحتلال والحصار الذي تفرضه إسرائيل على السكان.
بالإضافة إلى التقتيل، فإن العدوان يؤدي إلى بث الرعب بين أولئك الذين أسعفهم الحظ وينجون من الإصابات المباشرة، ويلحق جراحا بالغة بالنفوس والعقول والتماسك الأخلاقي للأطفال والصغار.
إنه مما يجعل غضبنا يزداد رفض إسرائيل ومنعها لوصول المساعدات الخارجية والإمدادات الحيوية من أجل تخفيف الأوضاع على سكان غزة.
إن الحصار على غزة قد ازداد إحكاما وقسوة في العام الماضي، مما ضاعف المعاناة على الناس هناك.
إن الناس في غزة يعانون الجوع والعطش والتلوث ونقص المواد الطبية والكهرباء والشح في كل وسيلة لتحسين الدخل الاقتصادي، ولا تقتصر معاناتهم فقط على القصف والتدمير.
إن انهيار مصادر الطاقة ونفاد المحروقات والمياه والطعام، بالإضافة إلى طفح مياه الصرف، إن ذلك كله مجرد جزء من حزمة المصائب التي يسببها الحصار بطريقة مباشرة وغير مباشرة على سكان غزة.
إن سكان غزة يقاومون الطغيان الإسرائيلي لأنهم يريدون حياة طبيعية أفضل، يقاومون حتى وهم يصرخون من الألم والحزن والرعب، كما أنهم يرفضون أي تسويات مؤقتة لا تقدم لهم فرصة حقيقية نحو مستقبل أفضل.
واحد من الأصوات التي انطلقت من غزة تحت القصف كان صوت السيدة أم رملاوي، حينما صرخت باسم جميع سكان غزة في وجوه الإعلاميين: إنهم سوف يقتلوننا جميعا في كل الأحوال، إما ببطء من خلال الحصار أو بسرعة بالقصف ولم يبق لدينا ما نفقده وعلينا أن نحارب من أجل حقوقنا أو أن نموت ونحن نحاول ذلك على الأقل.
انتهى النقل من مجلة اللانست الخطاب المفتوح الموجه من أربعة وعشرين طبيبا سبق أن عملو في غزة إلى كل زملائهم في العالم على صفحات أشهر مجلة طبية عالمية خطاب طويل جدا ويقدم عرضا مبكيا وممزقا للقلوب عن الأهوال التي يتعرض لها أهل غزة بسبب العدوان الإسرائيلي المتكرر وصمت الإخوة والجيران والعالم كله.
أتوقف عن النقل لأنني أحس بالاختناق والغثيان إزاء التخاذل المخزي لمن يفترض أن يعنيهم الأمر قبل غيرهم، والعجز عن تقديم على الأقل ما قدمه أربعة وعشرون طبيبا أجنبيا شجاعا تطوعوا للعمل في غزة استجابة لضمائرهم الإنسانية وأخلاق المهنة.