أثبتت لي تجربتي البحثية مع الوثائق، أنها هي المادة الأساسية التي يمكن أن تستخرج منها معلومات مميزة لعمل علمي ينطق بالحقائق، وأجد نفسي دوماً في مقارنة حول استخدام الوثيقة بين باحثينا (وأنا منهم) وبين الباحثين الأجانب، فباحثونا يستخدمون الوثيقة بظاهر النص وترتيب تسلسل المعلومات دون تعمُّق في دلالاتها، في حين يحوّل الباحث الأجنبي الوثيقة إلى عمل إبداعي ينم عن فلسفة أو معنى لفكرة معينة.
ولتبين ما أقصد فما على الإنسان سوى قراءة حدث بنص محلي وآخر أجنبي، وكلاهما مستخدم الوثائق ذاتها، ليقف على البون الشاسع بين النصين.
استخدام الوثيقة لدينا تنقصه احترافية عالية، وهذا ناتج عن عدم الاهتمام بتدريس فن استخدام الوثائق وتحقيقها والتعامل معها بما يفيد البحث ويؤصل له.
وإذا كان التعامل مع الوثيقة مشكلة، فإنّ المشكلة الثانية، وأعدّها كبرى، هي عدم معرفة ما هو موجود من وثائق داخل المملكة العربية السعودية، وأعرف أنها تتناثر في مكتبات عامة وجامعية ومتخصصة، ولكن ما أعرفه أيضاً أنه لا توجد معلومات كافية عن هذه الوثائق، ويمكن للإنسان أن يلجأ إلى الشبكة العنكبوتية أو إلى الزيارة المباشرة للبحث عنها فلا يجد من المعلومات إلاّ القليل، على سبيل المثال نعرف أنّ هناك آلاف الوثائق عن الملك عبد العزيز - رحمه الله - موجودة في دارة الملك عبد العزيز ومكتبة الملك فهد الوطنية ومكتبة الملك عبد العزيز العامة ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وقد تكون في الجامعات.
ولكن كل هذه الوثائق لم تفهرس، بحيث يستطيع الباحث أن يستفيد منها ويستخدمها في بحثه أو دراسته.
وإذا أراد أن يستفيد فعليه أن يذهب ليطالع هذه الوثائق ويستخرج منها ما يناسبه (هذا إذا سُمح له بالتعامل معها مباشرة وهذه مشكلة ثالثة).
نحتاج إلى قرار فاعل يسهل أمر استخدام هذه الوثائق بأن توضع في مكان واحد وتفهرس
وتتاح للباحثين، وإنْ كان هذا أمراً صعباً لأنّ كل جهة لن تتخلّى عن ما لديها، ومن ثم فإنني أقترح أن يعهد إلى إحدى الجهات ذات العلاقة بتصوير كل هذه الوثائق وفهرستها على نحو دقيق ووضعها على الشبكة العنكبوتية، أو على الأقل وضع غير المحظور منها، لأنني أعرف أنّ هناك محظورات عند بعض الجهات.
إنّ قضية استخدام الوثائق هي قضية علمية مهمة جداً تضيف وتسهم في الكشف عن جوانب كثيرة من الحقائق التاريخية، ونحن بحاجة إلى استخدام وثائقنا المحلية أكبر من حاجتنا إلى استخدام وثائق الأرشيف البريطاني والفرنسي والتركي والمصري والأمريكي، وإنْ كنا لا نستغني عن هذه الأرشيفات، ولكن علينا أن نبدأ بوثائقنا المحلية.