هنا يكمن الفرق: بين أن يسير الحوثي جماعته في مسيرات باتجاه صنعاء ويحاصرها بأناس تلمح في سحنات وجوههم وسلوكهم أنهم آتين من العصور الوسطى، وبين أن يجعل من صعداء في اليمن منارة حضارية كدبي أو هونج كونج، هنا يكمن الفرق بين أن تكون قائداً إصلاحياً كمهاتير محمد وبين أن تكون قائد قطيع كالقذافي.
هناك فرق تلحظه العقول الواعية في أن تكون قائداً تستخدم (الطائفة) لتملك القطيع وتوجهها حسبما تريد وبين أن تكون قائداً تبني الإنسان وتنير العقول وتفرش لشعبك طرق الحضارة والتقدم، بين أن تكون قائداً تهتم بالتنمية وبين أن تكون قائداً يهتم بأتون السياسة وحرائقها.
تبقى جماعات الحوثيين المتجهة إلى صنعاء الأسبوع الماضي، مثالاً حياً وواضحاً على سياسة القطيع، ونظرية العقل الجمعي، التي يتحكم بها شخص واحد تربطهم به عقيدة (ولاء) دينية/عصبية، لا يهمهم أنفسهم ولا العالم، بقدر ما يهمهم السمع والطاعة العمياء حتى لو سار بهم صاحبهم باتجاه الموت والنار والرصاص.
تقف مندهشاً، أمام هذه الجموع التي تحاصر المؤسسات الرسمية في صنعاء، وتبني الخيام حولها استعداداً لساعة الصفر وسط ذهول المجتمعات المدنية. وبغض النظر عن الدوافع التي تحرك هذه الجموع، يظل الإنسان الحوثي البسيط (دمية) في أيدي قوى محلية وخارجية لا إرادة له ولا استقلال.
هذه المفاهيم يحتاج الإنسان الحوثي إلى سنوات طويلة حتى يتخلص منها، ويستعيد عقله، وإنسانيته، وشخصيته، ليقول هأنذا، ويعرف لاحقاً أنه كان (ترساً) أو (قرباناً) لأسياده، هو يحترق بالنار، وسيده يعيش أحلى عيشة.
ولو أردت أن تطبق ذلك على كل تجمع (طائفي، حزبي، قبلي) لأمكنك أن تشاهد الصورة نفسها، باستثناء تغير المكان والقيادات، ولكنك لن تجد ذلك في المجتمعات المتقدمة، ولدى الناس الواعين هناك، ولدى البشر السويين، يرفضون أن يكونوا (خرفاناً) يوجههم الراعي كيفما اتفق، يرفضون أن يكونوا أداة (ضرباً) للآخر، يقيمون الخطب (الرنانة) ويدرسونها، ويرفضون الأحلام الوردية التي ينثرها قادتهم الحزبيين لهم.
إذا أردت أن ترى نماذج حزبية جاهزة، انظر إلى (جمال عبد الناصر، صدام حسين، القذافي، موسوليني، لينين، هتلر... إلخ) ثم تابع ماذا يفعل القطيع، انظر كم عددهم، والنتائج النهائية التي وصلوا إليها، وإذا ألقاك سيدك في مسرح العمليات وحدك عبر خطبة حماسية تفيض عنصرية لجماعتك، وهو يرتشف الشاي ويجمع الملايين فاعرف أنك في منطقة قطيع، وعليك أن تغادر فوراً.