الصورة الذهنية الحاضرة في ذاكرة الشعوب للإرهاب هي عمليات التفخيخ والتفجير أو حزّ الرقاب، وغيرها من العمليات المفضوحة في الإعلام. لكنه وإن كان هو المفهوم النهائي ودرجة الغليان التي يصل إليها العنف فهو ليس إلا ناتجاً ضرورياً للضخ والتعبئة الأيديولوجية ضد الآخر. العنف ينشأ في الظلام، وينمو في الظلام.. متكوماً خلف قائمة عريضة من المبررات المنطقية والعقلية والنصية، والأخير هو أقوى أسباب نمائه ومضاعفة فرص استساغته من المجتمع؛ لأننا في النهاية مجتمع ديني, يشكّل الخطاب الديني الحضور الأولوي لدى أفرداه؛ ما يجعله وسطاً مناسباً لاحتضان الأهداف الشيطانية من معدومي الضمائر. ذلك ما يجعله ينام قريراً في بيوتنا وعلى موائدنا وفي عقول أطفالنا!.. لأننا نحن من أشرع له الأبواب، نحن (بوعي أو بلا وعي) مَن وثقنا به وباركناه، فإذا ما كشر عن أنيابه وأسفر عن وجوده بخطاب ملطخ بالدم والآثام بعد أن انتهت صلاحية التقية والتغطية، وباتت مجرد جسر تخطاه للمرحلة الفعلية والنهائية! إذا ما تحول إلى كائن نشمه (باروداً ودماءً)، أو نسمعه (صليل سكاكين ودويّ رصاص)، ورأيناه (حزاً للرقاب وتقتيلاً)، حينئذ ذُعرنا وهرعنا نتساءل ونحلل ونتتبع نشوءه!!
إن عملية الوقاية ليست آلية طبية وحسب، بل هي أمان اجتماعي وسياسي، وعلى كل صعيد. لكنناً لا نتعلم الدرس بالطرق السهلة، ولا بالطرق الصعبة. نحن لا نتعلم بتاتاً، نرسب في الاختبار ذاته مراراً وتكراراً، وهذا ما يدفعنا حثيثاً في آخر صفوف الحضارة والرقيّ بين مجتمعات العالم الحديث.
(الإرهاب لا يبدأ إرهاباً بل يبدأ كخطاب تحريضي وتعبوي ضد الآخر)، هذا هو الدرس بكل بساطة، الذي لا يصعب حتى على متوسطي الذكاء! لهذا تقوم سياسات الدول في دساتيرها وأنظمتها على استئصال أي فرصة له. وقوانين مثل تجريم الكراهية، والعنصرية، والطائفية هي مصداق لما أقوله هنا. قد يطرح البعض السؤال الساذج والمكرور: «هل الكراهية كالقتل؟». فنعود للإجابة مراراً وتكراراً: الكراهية ليست كالقتل، لكنها هي الأب الشرعي له، وهي الحاضن للإرهاب! فيعود هؤلاء لمحاولة تبرير الكراهية على مبانٍ إسلامية كمبدأ البراء من الظالمين وأعداء الله. ولن أخوض هنا في التفسير وشرح المبدأ، لكنه بالطبع لا يمكن أن يكرس لتفكيك المجتمع وتكريس الكراهية. المسلم يمكنه أن يكون مسلماً ومحباً للعالم كله في الوقت ذاته. وهذا ما قام بتشويهه المغرضون بأنهم جعلوا الكراهية (للأشخاص وليس للأفعال) ضرورة إسلامية بل مبدأ دينياً جوهرياً.
اليوم في مواقع التواصل والشبكات الاجتماعية، في مجالسنا وعلى أرصفة الطريق، بقعة فساد تتمادى في رقعتها كل يوم. موجة كراهية عارمة للحد الذي يتسع فيه الشق على الراقع. وفيما نحن منشغلون مرة أخرى في مواجهة داعش (المرحلة الحركية للإرهاب) ثمة كراهية تتكاثر في الظلام، وتنمو في الظلام، فماذا بعد داعش يا ترى؟!